العدد 893 - الإثنين 14 فبراير 2005م الموافق 05 محرم 1426هـ

مسلمو ألمانيا ومهمة حصر الخسائر

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

في منتصف التسعينات افتتح كلاوس كينكل الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية الألماني أكاديمية الملك فهد بمدينة بون بحضور ممثل عن الأسرة الحاكمة في السعودية. في كلمته بهذه المناسبة أعرب كينكل عن أمله بأن تصبح الأكاديمية صرحا ثقافيا يؤكد متانة العلاقات بين ألمانيا والعالم الإسلامي. بعدما يقرب من عشرة أعوام على افتتاح الأكاديمية يجري الحديث عنها فقط في سياق التحقيقات التي يقوم بها مكتب حماية الدستور "البوليس السري الألماني" ضد إسلاميين متطرفين ينشطون بمدينة بون وضواحيها. وتم زج اسم الأكاديمية في أكثر من قضية كان آخرها عقب إلقاء القبض على إسلامي عراقي وآخر فلسطيني كانا يخططان وفقا لما أشيع لتنفيذ عملية انتحارية في، العراق، وأن والد زوج الإسلامي الفلسطيني يعمل في الأكاديمية. وكان هذا النبأ مدعاة مرة جديدة للمشرف على ملف أكاديمية الملك فهد، روتر، في ولاية شمال الراين وستفاليا بأن يبدأ تحقيقات جديدة بهدف إغلاق الأكاديمية. وحال تدخل السياسة وأهمية العلاقات الاقتصادية بين ألمانيا والسعودية دون الاستجابة لمطلب روتر، ولكن الأخير يستغل كل مناسبة لهدف تحقيق هدفه ويساعده بذلك إسلاميون متطرفون يشك البوليس السري الألماني في أنهم يعقدون لقاءات سرية في الأكاديمية وهذا ما تنفيه إدارة الأكاديمية بشدة.

الخلاف على الأكاديمية ومسجد "النور" في مدينة برلين إضافة إلى الجدل الدائم بشأن الحجاب، من المشكلات التي أثارت أجواء عدم الثقة بين مسلمي ألمانيا والمؤسسات السياسية في ألمانيا. بعد حظر الحجاب في المدارس الفرنسية يفكر الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم في ألمانيا في القيام بهذه الخطوة في ألمانيا. ولا يتأخر غالبية الألمان لحظة واحدة عن اعتبار الحجاب علامة على اضطهاد المرأة. مثل المراقبة التي تخضع لها أكاديمية الملك فهد في بون من قبل البوليس السري الألماني فإن مسجد "النور" في برلين الذي يزوره دبلوماسيون عرب ومسلمون يخضع أيضا للمراقبة من قبل البوليس السري البرليني. ويواجه إمام المسجد وهو لبناني رفضت السلطات المحلية طلب حصوله على الجنسية الألمانية تهمة التعاطف مع إسلامي حاول استخدام مقر المسجد لتجنيد وتدريب شبان للقيام بأعمال عنف ضد أهداف أميركية وإسرائيلية وبريطانية وفقا لما ذكرته صحيفة الاتهامات ضده. منذ وقت وتحديدا بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ ايلول 2001 التي صدمت مسلمي ألمانيا مثلما صدمهم مقتل مخرج الأفلام الهولندي تيو فان جوخ، يعمل المسلمون في ألمانيا خصوصا بهدف حصر الخسائر والتصدي قدر الإمكان لحملات التشكيك بالإسلام والمسلمين وباعتراف أوغوز أوجنجو من تنظيم "ميليت جوروش" "أي الرؤية القومية" وهذا أكبر تنظيم إسلامي تركي في ألمانيا، فإنه لا يمكن القول ان العلاقات بين المسلمين في ألمانيا والمؤسسات الألمانية عادية أو انها على غرار الزمن الذي سبق تاريخ الحادي عشر من سبتمبر .2001

على مدى الأسابيع القليلة الماضية استجاب عدد من المسئولين عن مؤسسات ومنظمات واتحادات للمسلمين في ألمانيا إلى طلب من صحيفة "فرانكفورتر ألجماينه" للإعراب عن آرائهم بشأن مستقبل التعايش بين المسلمين والألمان في ظل مجتمع منفتح. وقال المحرر المختص في قضايا الإسلام وشئون الشرق الأوسط فولفغانغ غونتر ليرش: "ان الهدف هو معرفة آراء المسلمين في ألمانيا بشأن الحياة في هذا البلد ومدى استعدادهم لاحترام دستور البلاد. يذكر أن هناك ما يزيد على ثلاثة ملايين مسلم غالبيتهم من الأتراك يعيشون في ألمانيا". وفقا لبيانات مكتب حماية الدستور في مدينة كولون فإن هناك نحو 30 ألف إسلامي متطرف أي لا تتجاوز نسبة المتطرفين 1 في المئة. غالبية المسلمين الذين أتوا للعيش في هذا البلد كعمال ضيوف في الستينات وكطلبة في الثمانينات والتسعينات لا يفكر معظمهم بمغادرة ألمانيا والعودة إلى موطنه الأصلي. وهكذا أصبح المجتمع الألماني في ضوء العدد المتزايد للمسلمين وتراجع عدد المواليد بين الألمان، مجبرا على السعي لاحتواء المسلمين وإدماجهم بعد أن تنكر لهم سنوات طويلة. ليس سرا أن تشريع الذبح على الطريقة الإسلامية وبناء المساجد في المناطق الألمانية لم يكن ليتم لولا وقوف القضاء الألماني إلى جانب المسلمين الذين اضطروا إلى رفع دعاوى أمام المحاكم للحصول على حقوقهم التي ينص عليها القانون الأساسي الألماني "الدستور" والذي أورد فيها حرية العبادة.

لكن على الطرف الآخر ونتيجة تشرذم منظمات ومؤسسات واتحادات المسلمين نشأت مع الوقت ثغرة وهي عدم وجود مجلس للمسلمين يتحدث باسمهم جميعا. ويعتقد أن هناك منافسة قوية بين القائمين على هذه المنظمات وغالبيتهم أتراك بينما هناك عربي واحد هو رئيس المجلس المركزي لمسلمي ألمانيا نديم عطا إلياس. وتشكو الدوائر السياسية الألمانية من عدم إجماع المسلمين في ألمانيا على متحدث يمثل مصالحهم ويتحدث بلسان واحد.

من الأسئلة الملحة التي فرضت نفسها بعد حملات التشكيك الجماعية ضد المسلمين طلبت صحيفة "فرانكفورتر ألجماينه" من القائمين على المؤسسات الإسلامية توضيح آرائهم وطلبت من نديم عطا إلياس ورمضان كورويوز من الجمعية الإسلامية بمدينة فرانكفورت وعلي كيزيلكايا من المجلس الإسلامي في ألمانيا وأوغوز أوجنجو "ميليت جوروش" ومحمد يلديريم وباكير ألبوجا من الاتحاد الإسلامي التركي، أن يعلقوا على هذا الموضوع على رغم ان هذه المنظمات لا تعبر عن آراء غالبية المسلمين المقيمين في ألمانيا لأنهم ليسوا منتظمين في هذه المنظمات. يستفاد من المقالات والتصريحات الصحافية التي نشرتها صحيفة "فرانكفورتر ألجماينه" خلال الأسابيع الماضية أن حوادث الحادي عشر من سبتمبر 2001 واغتيال مخرج الأفلام الهولندي فان جوخ أضرت بسمعة الإسلام في ألمانيا وزادت التشكيك بالمسلمين. وبينما الأشخاص الذين استجوبتهم الصحيفة على أهمية بذل جهود بهدف تحقيق إدماج المسلمين في المجتمع الألماني فإنه ليس بينهم من يجد أن الدستور الألماني يتعارض مع حياة المسلمين. وأثار شعار الإسلام الأوروبي حفيظة البعض لعدم توضيح الهدف المقصود من الإسلام الأوروبي فالإسلام واحد سواء كان في مصر أو في السعودية أو في الصين أو في ماليزيا. غير أنه تم الترحيب بالإجماع على إنشاء أقسام للدراسات الإسلامية في الجامعات الألمانية يكون الهدف منها العمل من أجل التعرف على الإسلام وتعاليمه وتعريف المجتمعات الغربية بها ونبذ الأحكام المسبقة التي تضر بسمعته. لكن القائمين على المؤسسات الإسلامية الذين نشرت آراؤهم رفضوا بشكل قاطع أن يحدد غير مسلمين هوية جديدة للإسلام.

يذكر أن المراجع السياسية الألمانية تسعى منذ وقت إلى تعديل نشاطات المساجد التي تتهم بالغالب بأنها المكان الطبيعي لتجمعات الإسلاميين المتطرفين. منذ وقت يندس عملاء البوليس السري الألماني بين المصلين في مختلف المساجد وتكون خطبة الجمعة تحت المجهر. وعوقب أحد أئمة المسجد الملحق بأكاديمية الملك فهد بمدينة بون بخسارة وظيفة العمل مدرسا حين ذكر كلمة الجهاد وهي الكلمة التي يعتبرها البوليس السري الألماني دعوة مفتوحة للقيام بأعمال عنف. وتجري مساع حثيثة من أجل أن يتعلم أئمة المساجد اللغة الألمانية ليصبح بالإمكان إلقاء خطبة الجمعة باللغة الألمانية لكي يصبح مضمونها واضحا إذ هناك كلمات مثل الجهاد تشير لأكثر من معنى. فيما ساعدت صحيفة "فرانكفورتر ألجماينه" في وضع منبر للحوار الإسلامي الألماني إلا أن هناك قضايا كثيرة تحتاج إلى حل. لكن لاشك أن المسلمين في ألمانيا يتمتعون بحقوق لا يملكونها في بلدانهم الأصلية. وأصبحت المجتمعات الغربية تنظر بشك بصورة أكبر تجاه المسلمين. هذا الشك الذي أدى إلى أن يستوقف البوليس السري الألماني رجلا يرتدي عباءة وله لحية أو سيدة محجبة في وسط الشارع طلبا للتعرف على الأوراق الثبوتية. مثل هذا التصرف يثير الغيظ والحزن في نفوس المسلمين بغض النظر عما إذا كانوا ينتمون لأحد التنظيمات الإسلامية أم لا

العدد 893 - الإثنين 14 فبراير 2005م الموافق 05 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً