لاتزال البحرين تعاني من غياب تصور واضح لمفهوم التنمية واستراتيجياتها. وعلى رغم ورود ذكر التنمية المستدامة في برنامج الحكومة، الا انه خلا من أي توصيف لمضامينها او على الأقل الحد الادنى المتصور لاهدافها.

ان التنمية بكل مسمياتها الايجابية تعني انها مفهوم مركب. فالتنمية عملية "process"، كما انها آلية "mechanism". هذا الى جانب كونها أداة ووسيلة لتحقيق أهداف مرحلية ضمن إطار غايات إنسانية وحضارية ذات أبعاد مجتمعية. أما مؤشراتها المتداخلة والمتكاملة فهي أربعة. وأولى هذه المؤشرات وجود نمو اقتصادي بمعنى تزايد مطرد في انتاجية الفرد وانتاج المجتمع.

وثانيا وجود تحولات هيكلية تطال أوجه التخلف كافة - السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بهدف تنمية القدرات وإطلاق الطاقات الخيرة على المستويين الفردي والجماعي. وثالث هذه المؤشرات وجود تحسن مطرد ومستدام لنوعية الحياة المعنوية والمادية لأفراد المجتمع وجماعاته. اما آخر هذه المؤشرات فهو تكريس نسق اجتماعي يهدف إلى توسيع الخيارات المتاحة للمواطنين بأجيالهم المتعاقبة، وذلك تعبيرا عن تبني استراتيجيا مجتمعية للتنمية المستدامة.

واذا اجرينا مقارنة موضوعية بين مفهوم التنمية الذي سبقت الإشارة اليه، وبين التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها البحرين في عصر النفط، يتبين لنا مدى ابتعاد تلك التغيرات عن نهج التنمية، ويتأكد لنا انها لا ترقى الى مستوى عملية تنمية، بأي من التسميات المتعارف عليها. ان التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها البحرين لم تهتد بنسق اجتماعي يصون ويعزز الاستقلال الاقتصادي والمصالح العليا للمجتمع، كما لم تضبطها استراتيجية تنموية تلتزم باجتماعية الهدف وعقلية المنهج.

ان التنمية ليست اقل من مشروع حضاري للمجتمع بأسره في جميع نواحي الحياة، والى ذلك المدى يتطلب إعادة تثقيف اجتماعي جذرية وعميقة وعلى جبهة عريضة للمواطنين وهذا يتطلب بدوره جهدا مجتمعيا ضخما وعقودا من الزمن ان لم نقل أجيالا ليصل الى نقطة يصبح عندها أثره واضحا في نظام القيم السائدة والمواقف الفكرية والتوقعات الاقتصادية والسلوك الاجتماعي والمؤسسات وصيغة التنظيم الاجتماعي وخلفية العمل. وبهذا المعنى ايضا فان التنمية يجب ان تستهدف بالدرجة الاساس الاكثرية المحرومة والفاقدة للسلطة.

ان توصيف معنى ومضامين التنمية هذا يعني بالضرورة انها تنمية معتمدة على الذات وذلك في مقابل نماذج التنمية المشوهة التي تعمق التبعية وتؤدي الى مزيد من التخلف الاجتماعي والسياسي وان غلفت ببعض النجاحات الاقتصادية. وبالتالي فان التحدي الابرز الذي يواجه البحرين هو بلوغ نموذج التنمية المعتمد على النفس