العدد 893 - الإثنين 14 فبراير 2005م الموافق 05 محرم 1426هـ

الإصلاح... وثقافة حز الرؤوس

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

ما الذي يرمز اليه قطع رأس عقيد قوم وحمله على رمح ممررا في الفلوات المفتوحة على الجحيم؟ ظلت ثقافة قطع الرؤوس "عربيا" ترميزا لحال من السيطرة على وضع يعتبر شاذا، ومقلقا، ومثيرا التهديد للكيان الخاص أولا مع زعم بتهديده للكيان العام ثانيا.

ظلت العرب في الجاهلية تعد الانتصار على الخصم منقوصا ومثيرا لحال من الحسرة الدائمة، في حال لم يتح لها في وقعة أو غزوة ما إنهاء الوقعة أو الغزوة بفصل يظل مثيرا وعنوانا للغلبة وتأكيدا لها، أقول في حال لم يقيض لها حز رؤوس عقداء القوم وحملها على الأسنة، وكأنها الشهادة الصريحة والدليل الدامغ على أن وقعة أو غزوة ما دارت رحاها في مكان ما من الأرض.

مع مجيء الإسلام لم ينته الأمر، خصوصا مع امتداد الفتوحات الإسلامية ووصولها الى حدود شكلت تهديدا وخطرا على بعض الرعايا المسلمين أو أولئك الذين هم في ذمة الدولة الإسلامية وحمايتها، اذ استمر كإجراء تأديبي كان له مبرره في فترة من الفترات خصوصا اذا ما كان الشخص المراد حز رأسه متورطا في استباحات وتجاوزات ومجازر طالت البلاد والعباد. اذ مثل حز الرأس جانبا من تفريعات الحرب في بعدها النفسي، لإلقاء الخوف والرعب في قلوب الفئة المعتدية والباغية. لكننا في وقعة الطف إزاء رجل لم يخرج "أشرا ولا بطرا، ولا ظالما ولا مفسدا انما خرجت للإصلاح في أمة جدي"، ويظل استقبال السلطة لمفهوم "الإصلاح" ضمن رؤية الإمام الحسين عليه السلام، ضربا من "الإفساد" على "الفساد" القائم! ومحاولة جريئة تتطلب شحذ إمكانات الدولة كل الدولة بمخبريها ومقاتليها وأجرائها ومرتشيها وطالبي أعطياتها، للحيلولة دون بلوغ دعوة الإصلاح مداها الذي يتوخاه الإمام، ما يعني كشف سوأة وفساد وجاهلية القائمين على أمر الأمة.

لذلك لم يك مستغربا أن تنتهي وقعة كربلاء الى ما انتهت إليه من حز للرؤوس وتمثيل بالجثث. تأمل جيدا "عدو الخيل على جسده الطاهر وأجساد آله وأصحابه" في موقف يتجاوز المثلة الى ما هو أعظم منها... أن يتحول اللحم الى ميدان تنتهبه الخيول عدوا على الأجساد. ويأتي حز الرؤوس محاولة واهمة في تجسيد وتمثيل العبرة وخطابا صريحا وعمليا للوعيد والخاتمة التي ستطال كل من يذهب الى ما ذهب اليه الإمام الحسين عليه السلام.

في وقتنا الراهن لم تنته أو تتبدد الثقافة تلك، اذ هي ما زالت قائمة ويتم بثها بشكل أسبوعي عبر شبكات الانترنت والتلفزة... على رغم البون الشاسع بين منطلقات ثورة كثورته، ومنطلقات مجموعات ظلامية لا تختلف كثيرا عن المجموعات الظلامية قبل أن يطل الإسلام بنوره على الإنسانية

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 893 - الإثنين 14 فبراير 2005م الموافق 05 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً