العدد 893 - الإثنين 14 فبراير 2005م الموافق 05 محرم 1426هـ

الإمام الحسين والاختيار

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

بعكس الطرح الذي يرفعه بعض المنتمين للحركة الاسلامية في عصرنا الحالي، فإن الإمام الحسين "ع" اعتمد في مسيرته على القناعة وحرية الاختيار، وهذان الامران "الاقتناع من خلال الحوار، وحرية الاختيار" يعتبران من أهم الأسس التي تعتمد عليها النظرية الديمقراطية.

تحرك الحسين من مكة إلى الكوفة بعد ان تسلم رسائل من أهل العراق يدعونه إلى القدوم اليهم وتولي أمرهم، وللتأكد من تلك الرغبة بعث بموفده الخاص إلى الكوفة، وهو ابن عمه مسلم بن عقيل. ذهب مسلم إلى الكوفة وتأكد من رغبة الناس فيها، وبعث إلى الحسين يؤكد أن ما بين 18 و100 ألف رجل يحمل السلاح في انتظاره لنصرته.

وهكذا تحرك الركب باتجاه الكوفة، ولم يسمع الحسين بمقتل مسلم الا بعد فترة غير قصيرة. وعندما توجه ناحية الكوفة كان في الطريق جيش يقوده الحر بن يزيد الرياحي يعترض قافلة الحسين ليمنعه من التقدم نحو الكوفة. الحسين فتح حوارا مع الحر وقال انما هو يتوجه إلى الكوفة بطلب من أهلها، والحر قال إنه لم يكن يعلم بموضوع الرسائل التي وصلت إلى الحسين. الحر كان يتسلم الاوامر العسكرية التي أدت إلى عزل الحسين في منطقة من دون ماء "كربلاء حاليا" وفي الوقت ذاته كان الحوار مستمرا من دون انقطاع، وهو ما أدى إلى أن ينتقل الحر إلى معسكر الحسين ويستشهد بين يديه لاحقا.

عندما علم الحسين أيضا بنكوث اهل الكوفة لعهدهم وقتلهم مسلم بن عقيل، توجه إلى من لحق به من الناس وقال لهم إن الوضع تغير، وان الذهاب إلى الكوفة لم يعد ذهابا لتسلم الحكم وانما إلى شيء مر، وطلب منهم الرحيل لانهم لم يلتحقوا من أجل القتال. وهكذا رحل عنه الكثير، ولم يبق معه سوى نحو سبعين من اهل بيته وخالص انصاره. الحسين أيضا عرض على من بقى معه من أهل بيته وانصاره الرحيل لأن المطلوب كان رأس الحسين، ولكن القلة التي بقيت فضلت الاستشهاد معه.

المتتبع للحوارات التي دارت بين الحسين والذين أعدوا العدة لقتاله يلحظ عاملا مشتركا في كل النقاشات، وهو أن الحسين لم يجبر أحدا على اتباعه، ولم يأت إلى العراق الا برغبة أهلها، وانه اذا كان اهل الكوفة غيروا رأيهم ولا يريدونه فانه لن يتوجه اليهم وسيعود من حيث أتى ، وان العلاقة كانت قائمة على اساس البيعة والحكم بالعدل بين الناس... "انما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي... إلخ". النقاش بين الحسين واخيه محمد في المدينة "قبل ان يخرج الى مكة وثم الى الكوفة" يوضح أيضا نفس الخط ونفس النهج القائم على تأسيس القناعات من خلال الحوار وعرض الخيارات وعدم اغفال الآراء مهما تنوعت.

إذا كانت حركة الإمام الحسين قامت على الاختيار اساسا، واذا كان الإمام الحسين يتحاور مع الجميع، حتى مع من كانوا يحاربونه لقتله، فلماذا أسس بعض الناشطين في الحركة الإسلامية نهجهم على الأحادية في التفكير؟ ولماذا يتم اغلاق العقل ومنع انصار هذه الحركة أو تلك من التحاور وعرض الخيارات ومن ثم اتخاذ القرار؟

اننا نعيش في أجواء عاشوراء هذه الأيام، وحري بنا ان ننظر اليها من بعد آخر، وهو ان التحرك يجب ان يعتمد على مجموعات مقتنعة ومتحاورة فيما بينها ومع الآخرين. ان حركة الحسين تقول لنا إن المجموعة المقتنعة تحقق ما يعجز عنه الآخرون، ذلك لأن الإنسان كائن حر، ومن يحي ذكرى ابي عبدالله الحسين يجب ان يكون حرا، وان يفسح المجال لحرية الآخرين في تأسيس قناعاتهم تجاه قضاياهم الحياتية

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 893 - الإثنين 14 فبراير 2005م الموافق 05 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً