كثيرة هي القضايا والحوادث التي حدثت منذ أول يوم في التاريخ الإنساني، ولكنها تمر مر السحاب على الأذن، هذا إن وصلت إليها، وحينما يقف الطرف على واقعة الطف يتضح جليا أن لهذه الواقعة عمقا مختلفا، ووجها آخر، يفرض نفسه على التاريخ فرضا إذ لا يمكن للذاكرة البعيدة أن تنفض من عليها واقعة الموت في سبيل الخلود، ولا يمكن للخلود أن يفنى، وكيف للتاريخ أن ينسى؟ وكربلاء أكثر خلودا من التاريخ نفسه.
كربلاء التي عبرت على جسر الموت لتصل إلى الحياة ليست هي رواية من روايات الخيال التي تنسج حوادثها بعيدا عن الواقع المعاش، بل هي حقيقة مر عليها التاريخ وحفرها في ذاكرته فكانت مثالا رائعا للنضال من أجل الحياة حتى لو كان الثمن هو الموت.
الدروس النازفة مع الدماء الشهيدة التي انفجرت تحت كل حجر ومدر، مازالت مرجعا للكثير من المناضلين الذين وجدوا في كربلاء الواقعة الأم لكل الوقائع التي تبحث عن الحرية التي تفوح منها رائحة الخلود.
ولم تكن كربلاء واقعة يومها ورجالها فحسب، بل كانت واقعة التاريخ كله، وواقعة الإنسانية كلها، فهي التي مازالت تعطي، وكلما مر عليها الزمان ازدادت عطاء، وكلما أبعدها الدهر ازدادت قربا من الحياة الخالدة، هذه هي واقعة الحسين التي أعطت من دون حساب، حتى شرب من معينها المسلمون وغيرهم من الملل الأخرى
إقرأ أيضا لـ "عقيل ميرزا"العدد 892 - الأحد 13 فبراير 2005م الموافق 04 محرم 1426هـ