ليس معروفا بالضبط متى بدأت "الحسينية" في الظهور كمؤسسة دينية لدى المسلمين الشيعة، ولكن بعض المصادر تشير إلى أنها بدأت قبل نحو ألف عام في القاهرة في عهد الدولة الفاطمية. فقبل ألف عام كانت بغداد "عاصمة الدولة العباسية" تحت سيطرة العسكر من آل بويه، وهؤلاء أيضا كانوا من الشيعة، وكانوا في منافسة مع الفاطميين "الشيعة" سياسيا واجتماعيا وثقافيا. وفي بغداد، وفي الفترة نفسها، ظهرت المواكب العزائية في الشوارع والأسواق، وفي القاهرة ظهرت مؤسسة "الحسينية".
إن "الحسينية" تتخذ اسما آخر في البحرين وهو المأتم، وعندما كتب المفكر الراحل فؤاد الخوري كتابه عن "القبيلة والدولة في البحرين" ترجم "المأتم" إلى اللغة الإنجليزية بـ "Funeral House"، وهذه الترجمة مرعبة، إذ تعني "المكاتب" التي تنتشر في الغرب لـ "إعداد جنائز الموتى". ولكن أي شخص يعرف طبيعة المأتم في البحرين يعرف أيضا أن المأتم يستخدم للأفراح وللأحزان، للزواج ولقراءة الفاتحة على الاموات، وهو أساسا مخصص لإحياء ذكرى الحسين "ع" وذكريات أهل البيت في مناسبات الوفاة أو الولادة. كما ان المأتم البحريني له دور اجتماعي بارز في كل حي وكل قرية، وهو مؤسسة مترابطة مع المجتمع من جميع النواحي.
في البحرين هناك حاليا نحو 400 مأتم رجالي، و700 مأتم نسائي مسجلة لدى إدارة الأوقاف الجعفرية. ولكن المآتم غير المسجلة تساوي في عددها عدد المآتم المسجلة على الأقل، بل ان عدد المآتم النسائية غير المسجلة أكثر بأضعاف عدد المسجل منها. فالنساء أكثر إحياء لمؤسسة "الحسينية" من الرجال، وكثير من المنازل تتحول إلى حسينية مرة أو مرتين أسبوعيا أو شهريا، ولو أضفنا هذه إلى العدد السابق فلربما يكون لدينا في البحرين قرابة ثلاثة آلاف مأتم "حسينية" للرجال والنساء منتشرة في كل زقاق وكل حي يوجد فيه المسلمون الشيعة.
هناك دراسات عدة عن ظاهرة "الحسينية"، وكانت إحدى الباحثات الأوروبيات قضت في نهاية السبعينات من القرن الماضي فترة عام أو أكثر في قرية "سار" وتعلمت اللغة العربية واللهجة المحلية وقالت للناس انها تحولت إلى الإسلام، ولكنها كانت تعد اطروحة الدكتوراه عن المأتم النسائي وعن مؤسسة الحسينية في البحرين. وعادت إلى حيث أتت وكتبت أطروحتها للدكتوراه عن "المأتم" في البحرين، وعندما قرأت هذه الاطروحة وجدتها - على رغم كل التفاصيل - مازالت جاهلة بكثير من القضايا ذات العلاقة بهذه المؤسسة الاجتماعية المتشعبة في كل مكان.
لاشك أن هذا النوع من المؤسسات يحتاج إلى الكثير من البحوث والدراسات لكي نصل إلى جوهرها ولكننا أيضا نعرف تأثيرها على حياة المسلمين الشيعة في كل مكان. وحاليا، فإن كل منطقة مهما تكن صغيرة، وكل عائلة كبيرة، لديها مأتم "حسينية" باسمها. ويتنافس الكثيرون على مدار السنة في إدارة شئون الحسينيات ويعتبرون ذلك جزءا من تحديد وجودهم ونفوذهم في المجتمع. وهذه المؤسسة فعلا مؤثرة لأنها ترتبط بذكرى الحسين "ع" وكيف أنه خرج طلبا لإصلاح أمة محمد "ص" فناصره حينها كثير من الناس ثم خذلوه عندما حان موعد التحدي والتضحية والإباء... وهكذا يتذكر المنطلقون من مؤسسة "الحسينية" جميع تفاصيل قضية الإمام الحسين "ع" ويرددون في كل مجلس يقيمونه "يا ليتنا كنا معك يا أبا عبدالله الحسين فنفوز فوزا عظيما"
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 891 - السبت 12 فبراير 2005م الموافق 03 محرم 1426هـ