العدد 889 - الخميس 10 فبراير 2005م الموافق 01 محرم 1426هـ

من أين لعاشوراء هذا الإعلام التاريخي المتجدد؟

بعد 14 قرنا. ..

عبدالله الميرزا abdulla.almeerza [at] alwasatnews.com

كان لابد لثورة إنسانية بحجم ثورة الامام الحسين "ع" من عناية إلهية تحفظ لها أهدافها ورسالتها السامية وتوصلها إلى كل جيل لتمثل شعلة تضيء درب الإنسانية وتؤسس لمبدأ رفض الظلم والمطالبة بحقوق الإنسان على مدى التاريخ. فالحركة الإصلاحية التي قادها الأمام لتطهير الدولة الإسلامية من الفساد الإداري والأخلاقي تحت شعار: "إذا بليت الأمة براع مثل يزيد فعلى الإسلام السلام"، كانت منعطفا مفصليا في حركة البشرية على مستوى التعاطي مع حكومات جائرة تستفرد بالحكم فتعيث في الأرض فسادا وتلاعبا بالمال العام.

لم تكن الشعوب حينها تفكر في ذلك الخيار "الإصلاح" بقدر ما كانت أقرب للخنوع والذلة والاستعباد السياسي، بسبب ذلك أزيح الستار عن حركة معارضة فريدة من نوعها تاريخيا يقودها سبط رسول الله "ص" وحفيده، ليشكل بذلك حلقة متكاملة مع الرسالة النبوية لإيصال الفكر الإسلامي النقي إلى العالم، بعيدا عن أيدي العابثين.

ملحمة عاشوراء وما حققته من نجاح فكري وسياسي على صعيد الطف كانت في أمس الحاجة إلى دور إعلامي يؤطر رسالتها ويخلدها عبر التاريخ، وخصوصا إذا علمنا أن الإعلام الأموي رصد مبالغ طائلة لتضليل عموم الناس وحرف مسار الثورة عن الاهداف التي خرج من أجلها الامام الحسين، والمتمثلة في مقولته الشهيرة: "إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وانما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، آمر بالمعروف وانهى عن المنكر". لهذا شملت الألطاف الإلهية هذه النهضة بالمد الإعلامي على امتداد القرون. وهو ما كان له الدور البارز في إظهار رسالة الإمام ومظلوميته، بعناصر أربعة مثلت موقع القوة في دائرة النهضة، هي: "التوثيق التاريخي، الخطب ومجالس العزاء، الشعر والشعراء والمواكب الحسينية".

أولا : التوثيق التاريخي

على رغم الدسائس التاريخية وتزوير الأقلام المأجورة لأهداف الإمام والتشكيك في أبعاد ثورته ووصفها بانها لم تكن سوى طلب للوصول إلى سدة الحكم وخروجا على طاعة "ولي الأمر" وشقا لعصا المسلمين، فإن الغلبة كانت للتوثيقات والسجل الناصع الذي لعبت قافلة السبي في نقله بحذافيره، فكان من نصيب النهضة الحسينية إذ كثرت كتابات العلماء والمؤرخين الثقاة عبر القرون بشأن وقائع الثورة وأهدافها، ما أكسبها نفوذا تاريخيا راسخا عبر الأجيال.

ثانيا: الخطب ومجالس العزاء

هنا يبرز دور الإمام زين العابدين "ع" والسيدة زينب "ع" في إقامة مجالس العزاء وإلقاء الخطب للتعريف بأهداف الثورة انطلاقا من مجلس ابن زياد في الكوفة ومجلس يزيد في الشام، وهو نوع من التحدي الصارخ لإعلام الثورة إذ ينطلق من وكر العدو.

وامتدت هذه الظاهـرة إلى الأئمة"ع" وأصحابهم فكانوا يعرفون الناس بأهداف الثورة حتى تبلورت ظاهرة الخطابة بمرور الزمن إلى المنابر الحسينية، التي حملت على عاتقها إيصال رسالة الحسين إلى العالم. وأخذت هذه المنابر تتابع هموم الناس ومجريات الساحة الإسلامية وكل جديد في عالم الفكر، مستمدة ذلك من وحي الملحمة الحسينية.

ثالثا: الشعر والشعراء

لو أجلت طرفك في سيرة أهل البيت"ع" المشرفة سترى الكثير من نماذج مجالس الإنشاد والذكر وحث الشعراء على سبك القصائد في مظلومية الحسين"ع"، فهاهو الإمام الصادق "ع" يخاطب أبا هارون المكفوف قائلا: "من أنشد في الحسين فأبكى واحدا فله الجنة" ويحث الناس في مقام آخر قائلا: "أحيوا أمرنا... رحم الله من أحيا أمرنا". وإذا ما لاحظنا تائية شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي العصماء نرى أنها تلامس مختلف الموضوعات الفكرية والعقائدية والسياسية والاجتماعية وفضائل آل البيت "ع" .

على هذا المنوال كان حذو غالبية شعراء الثورة الحسينية، إذ رثاه الكثيرون ممن لا تحصر أسماؤهم، وكما رثاه أبناء الطائفة كالسيدالحلي والشيخ الدمستاني وغيرهم فكذلك رثته الإنسانية بما تحتوي من معتقدات ومذاهب كالإمام الشافعي والفيلسوف محمد إقبال والمسيحي بولس سلامة وعبدالرحمن الشرقاوي وغيرهم ومازالت ليومنا هذا تتنفس آلاف الأقلام برثاء الحسين "ع". تلك القصائد تركت أثرها العميق في نفوس الناشئة والاجيال المتعاقبة، وخلقت وعيا جماهيريا بما تحمله معها هذه الثورة من أبعاد ورسالة.

رابعا: المواكب الحسينية

خروج الحسين"ع" بعائلته وأصحابه من مكة فالمدينة مرورا بصحراء الحجاز إلى كربلاء ومن ثم مسيرة السبي وركوب الأيتام والنسوة على النياق العجاف... ووقوف زينب وعلي بن الحسين كلما سنحت الفرصة أمام حشود من الناس للتعريف بقضية الحسين... كان لكل ذلك إيحاء شديد باستنكار قتل الإمام وأصحابه وذريته يوم العاشر من المحرم، ومن هنا انطلق موكب العزاء مستفيدا من حركة السبي كمادة إعلامية للخروج في الشارع وإظهار معالم الاحتجاج والحزن، وإيضاح مبادئ الثورة في عصور غيبت فيها الحقيقة عن نواظر العالم.

كانت المواكب المنفذ الأهم في إبراز المظلومية على طريقة الإعلام الحر في الهواء الطلق، وهكذا أخذت مسيرات العزاء تتجدد كلما تجدد الزمن لتصل لنا اليوم بهذه الصورة الحضارية، تتغير أساليبها من بلد إلى آخر بحسب الظروف... انطلاقا من مضامين كربلاء

إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"

العدد 889 - الخميس 10 فبراير 2005م الموافق 01 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً