العدد 889 - الخميس 10 فبراير 2005م الموافق 01 محرم 1426هـ

ما يجري جريمة كبرى بحق الإسلام والأمة

فضل الله محذرا من السجالات الطائفية:

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

حذر آية الله السيدمحمد حسين فضل الله، من أن الواقع الإسلامي والعربي يتربى على التربية التدميرية والذهنية الاقصائية، مشيرا إلى أن هذه الذهنية هي التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه. وأكد أن المذهبية الفئوية التي فشلت في أن تتحول إلى مذهبية فكرية منفتحة عملت ولا تزال على تقويض الواقع الإسلامي. ودعا إلى إعادة التأسيس ولو من نقطة الصفر في المسألة التربوية وفي إيجاد أرضية صالحة لذهنية تتقبل الآخر.

وأبدى خشيته من السجالات الطائفية في وسائل الإعلام المختلفة والتي يستحضر فيها التاريخ بطريقة انفعالية، محذرا من أن هؤلاء يعملون على تدمير الأمة بجناحيها السني والشيعي، مؤكدا أن ما يجري يمثل واحدة من الجرائم الكبرى التي ترتكب بحق الإسلام والأمة.

جاء ذلك في رده على سؤال في ندوته الأسبوعية، عن المخاطر التي تتعرض لها الوحدة بين المسلمين في هذه المرحلة، وقال: "لقد حرص الإسلام على حماية الواقع الإسلامي وصونه من الانقسامات، بل أراد للبشرية كلها أن تعمل لعمارة الأرض في نطاق من الوحدة الإنسانية العامة على قاعدة العناوين المشتركة، فمن الأهداف الكبرى التي سعى لها، توفير الأجواء السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبشرية لكي ترتقي في مجالات التقدم العلمي بما يوفر الرخاء والراحة والأمان لكل شعوب الأرض من دون أن يغمط أحد حق أحد، أو أن يتعالى إنسان على إنسان".

وتابع قائلا: "نظر الإسلام إلى الوحدة الإسلامية كمقدس من المقدسات التي لا يجوز لأحد أن يعمل لإسقاطها، أو أن يسيء إلى الاجتماع الإسلامي العام في الخطاب أو في الممارسات أو في الحركة، وأراد لكل مظاهر الوحدة أن تتكرس في صلاة الجماعة وفي وحدة الموقف في الحج، وكذلك في المناسبات الإسلامية التي لابد أن تعكس صورة عن وحدة المسلمين، على اختلاف مذاهبهم وتنوع أعراقهم. ليس هذا فحسب، بل إن الإسلام جعل المصلحة العليا للأمة تتقدم على المصالح الأخرى، وأفسح المجال أمام تجميد المطالبة بالحقوق الكبرى لمصلحة الوحدة التي من خلالها يصان الواقع الإسلامي العام. ولذلك انطلقت التجربة في حركة الإمام علي "ع" على أساس أن يسالم ما دام ذلك يكفل سلامة مصلحة الإسلام والمسلمين، ولذلك كنا نقول للمسلمين جميعا إن عليهم أن يتعلموا الدروس من تلك المرحلة، ومن تلك التجربة التي تسامى فيها علي "ع" كرائد أول للوحدة الإسلامية. بيد أن المشكلة تكمن في أننا داخل الساحة الإسلامية وعلى مدى المئات من السنين، لم نترب وحدويا، ولم ننطلق في ثقافة الوحدة بما يصون مصالحنا جميعا، بل انطلق كل فريق في حساباته الخاصة، وجاء الأجنبي ليستغل هذه الفردية فيزعم أنه يدعم الأقلية هنا ويحرص على عدالة الأكثرية هناك، فتمكن من السيطرة على واقعنا بفعل تمزقاتنا، ولأنه يتحرك على أساس خطة مرسومة لها آلياتها وخطوطها بينما نتخبط نحن في ضباب المراحل وغياهب التمزقات".

وأضاف فضل الله: "إننا نزعم أن واحدة من أخطر الأمور التي أوصلتنا إلى حيث وصلنا كأمة، تكمن في أننا لا نمتلك الذهنية الحوارية المنفتحة التي حرص القرآن على أن يربي المسلمين عليها، وأن يدفع بأمة الإسلام قدما في المجالات الحوارية الحضارية، ولكن المسألة أن القوم جعلوا هذا القرآن مهجورا في حركتهم السياسية والاجتماعية والثقافية... ولذلك علينا أن نعمد إلى تغيير ذهنية الانغلاق والاستئثار لمصلحة ذهنية الانفتاح والاحتضان. إننا نحذر من أن الواقع الإسلامي والعربي بعامة يتربى ويتأسس على التربية التدميرية وعلى الذهنية الإقصائية التي لا تعترف بالآخر، ولذلك تسوق المبررات الواقعية أو غير الواقعية لتدمير هذا الآخر. بل إن المذهبية الفئوية التي فشلت في أن تتحول إلى مذهبية فكرية منفتحة عملت، ولا تزال على تقويض الواقع الإسلامي لحساب تيارات ومواقع لا تتحسس مصلحة الأمة بين الأمم ولا مستقبل أجيالها ولا مصيرها الفكري في المعترك العالمي لصراع الأفكار والمفاهيم".

وأردف قائلا: "إننا ندعو إلى إعادة التأسيس في الواقع الإسلامي والعربي، لنبدأ ولو من نقطة الصفر في المسألة التربوية، وفي إيجاد أرض صالحة لذهنية تتقبل الآخر كما هو، وتحاوره في ما هي الخطوط التغييرية التي تتطلع إليها... وعندها يمكن للمسلمين الشيعة أن يبدأوا بحوار بعضهم لبعض، وكذلك المسلمين السنة، قبل أن ينطلق الجميع في ورشة الحوار الإسلامي العام التي لا بديل عنها لتأصيل المفاهيم الإسلامية في خط الوحدة وعدم التراشق بكلمات التضليل والتفسيق والتكفير التي ينشط أصحابها أكثر مع تصاعد حركة الكوارث التي تصنعها المحاور الدولية في بلادنا، كما يجري في هذه الأيام في العراق، وما يراد من خلاله أن ينعكس تمزيقا على امتداد ساحة الأمة".

وخلص إلى القول: "إننا نشعر بالخطورة الكبرى حيال هذه السجالات الطائفية التي تنطلق هنا وهناك بعيدا عن الموضوعية وتحسس واقع الأمة، كما نشعر بخطورة هذه المقالات والسجالات في الصحف وعلى صفحات الإنترنت والفضائيات، والتي يستحضر فيها التاريخ بطريقة انفعالية، وتأتي فيها الأحكام في شكل شمولي حاسم، بحيث يشعر المتابع بأن كل هؤلاء يعملون على تدمير الأمة بجناحيها السني والشيعي عن دراية أو عن غير دراية لحساب المحتل الأميركي والغاصب الصهيوني. ولذلك فإنني أعتبر أن هذه السجالات والاتهامات والقفز فوق ما يريده المحتل من تغيير صورة المنطقة وجعلها تسير وفقا لصورة مصالحه كما قال... إن هذا التغييب المتعمد أو غير المتعمد للمحتل، وهذا الاستحضار لخطر الشيعة المزعوم هنا وخطر السنة المزعوم هناك، يمثل واحدة من الجرائم الكبرى التي ترتكب بحق الإسلام والأمة، في الوقت الذي يبرز الرمز الأول للاحتلال ليدعو هذه الدولة العربية أو تلك إلى سلوك الخط الديمقراطي لحساب مصالحه، ويهدد تلك الدولة الإسلامية بالحصار والحرب، وما إلى ذلك.

وكرر فضل الله الدعوة إلى "العلماء الواعين والمنفتحين في الساحة الإسلامية من السنة والشيعة أن يسارعوا بكل طاقتهم لتطويق هذا الخطاب المذهبي المتصاعد، ولنزع فتيل الألغام التي يزرعها الجناة، ويقدمونها هدية مجانية أو مدفوعة الثمن للمحتل والغاصب. كما أدعو علماء المسلمين الشيعة بخاصة إلى جعل مناسبة عاشوراء تتحرك في الخط الوحدوي الإسلامي، لأنه من أكبر المحرمات أن نعمل على الإثارة في الخطاب العاشورائي بما يسيء لوحدة المسلمين وبما يتهدد وحدة الأمة. وإنني أحذر من كل العاملين لإذكاء نيران الفتنة بين السنة والشيعة الذين يجدون في كل هذا الانفعال الطائفي والمذهبي المادة الفضلى للتفرقة... إننا بحاجة إلى عقل يتماسك، لا إلى جسد ينفعل... فرفقا بما تبقى لنا من أثر في مواقعنا أو بين الأمم"

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 889 - الخميس 10 فبراير 2005م الموافق 01 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً