العدد 888 - الأربعاء 09 فبراير 2005م الموافق 29 ذي الحجة 1425هـ

"تحرير التربية العربية من الأوهام الخمسة"

يصدره "البحوث"

العوالي - مركز البحرين للدراسات والبحوث 

تحديث: 12 مايو 2017

صدر حديثا كتاب بعنوان "تحرير التربية العربية من الأوهام الخمسة" لمستشار الدراسات التربوية والاجتماعية بمركز البحرين للدراسات والبحوث محمد جواد رضا، وذلك ضمن سلسلة الكتب العلمية التي يصدرها المركز.

يتناول الكتاب قضايا تربوية وهي: تحرير التربية العربية من الأوهام الخمسة، اللغة العربية وتشكيل الفكر العربي، ثقافة الحوار وتربية التواصل، وأخيرا التأسيس العقلاني للنظرية الأخلاقية في الإسلام.

ويرى جواد رضا "ان العقل العربي سقط أسيرا لمجموعة من الأوهام، ولإعادة "التشكيل العربي" لابد من تحرير العقل العربي من الأوهام التي حكمته حتى الآن وحالت دون مجاراة العرب لأمم العالم في السير نحو المستقبل". يقول رضا: "هذه الأوهام كثيرة ومتنوعة وهي أكثر من أن تحصر في مبحث واحد ولكن خمسة منها تتميز بأولوية على غيرها" وهي: وهم الهوية، وهم أعلوية الذكر على الأنثى، وهم أعلوية الفكر الغيبي على الفكر العلمي التجريبي، وهم الخوف من الحداثة والديمقراطية، وهم الإحساس بالاضطهاد العالمي للعرب.

الهوية الثقافية

يبدأ المؤلف بالحديث عن انشغال المثقفين طويلا بقضية "الهوية الثقافية" للأمة وما يعتبرونه تهديدا لها. وعلى رغم كون هذا الانشغال "نبيل" فإنه لم يكن انشغالا ممحصا دائما، إذ تحول من انشغال مشروع إلى الشعور بالاضطهاد، وذلك مع ظهور العولمة. ويعرج المؤلف على موضوع اللغة العربية باعتبارها "ذات الأمة" وتجسيدا، مبينا أن هذا الأمر يستوقف النظر من نواح عدة منها غياب الدليل العلمي على الربط بين هوية الأمة - أية أمة - وبين لغتها.

ويذكر رضا أنه في القرون الثلاثة الفائتة كانت الهند المعاصرة ولاتزال تتكلم اللغة الانجليزية ويبرع أهلها في استعمالها للتعبير عن أفكارهم وإبداعاتهم في المحافل الدولية وفي مؤسسات التعليم، مشيرا إلى أن الهوية الهندية لم تتغير بل أن الهنود قد استفادوا من إتقانهم للغة الإنجليزية وتعاملهم معها وهو ما منحهم فرصة تلقي العلوم والتقنيات والحصول على فرص العمل في جميع أرجاء العالم وخصوصا الدول المتقدمة.

ويتعرض الكاتب لإشكال التاريخ والحاضر واستعارة الهوية من التاريخ بدلا من إبداعات الأحياء في مواجهة مشكلاتهم والبحث عن حلول لها... يقول: "من هذا المنطلق يكون الوقت العربي قد أزف لاستبدال مفهوم الهوية التاريخي بمفهوم وظيفي عن الذات ومخاطبة العالم به. هذا المفهوم الوظيفي هو "صورة الذات" الراهنة، وهو يوجب - في مجال تأسيس هوية جديدة- التحول من المقاربة التاريخية والفيلولوجية إلى المقاربة الإشكالية أو المشكلاتية Problematic".

وهم أعلوية الذكر على الأنثى

في هذا الصدد يبحث رضا في الفهم المغلوط لدى البعض في تفسير النص الديني، مستشهدا بالأمثلة ومتناولا مسألة القوامة ليخلص في النهاية إلى أن تجديد الوعي يقتضي أولا فهم الأشياء على وجهها الصحيح وخصوصا النصوص المقدسة من القرآن والحديث وفي المقدمة ينبغي أن تأتي قضية حقوق المرأة العربية. فالاعتراف الكامل بإنسانية المرأة العربية وتمكينها من استعمال حقوقها الإنسانية السياسية والاجتماعية هو في الوقت ذاته تعزيز لمكانة الرجل وهو سبيل الرجال إلى فهم أنفسهم ومعرفة حقوقهم الإنسانية أيضا.

وهم أعلوية الفكر الغيبي على الفكر العلمي التجريبي

في هذا الجزء يتتبع المؤلف دخول "المنهج العقلاني" في الحياة الفكرية للعرب والمسلمين ويرى أن له بوادر مهمة لم يتم استثمارها في الوقت المعاصر فقد "تراجع الفكر العلمي العقلاني لمصلحة الفكر الغيبي والتاريخي" وصارت الدراسات التاريخية والدينية تحتل المساحات الأوسع من المناهج الدراسية في حين تقلصت المساحات المخصصة للعلوم الطبيعية والرياضية والفيزيائية والاقتصادية والسياسية. ويورد محمد جواد رضا إحصاءات تدعم صحة ما ذهب إليه، معتمدا على جدول يبين الساعات المخصصة للدراسات اللغوية والاجتماعية مقابل الساعات المخصصة للدراسات العلمية في دول الخليج العربي وهي توضح البون الشاسع لصالح الدراسات اللغوية والاجتماعية.

الخوف من الحداثة

يتطرق المؤلف لقضية الخوف من الحداثة والديمقراطية رابطا ذلك بما تسميه المفكرة المغربية فاطمة المرنيسي بـ "ثقافة الخوف" في كتابها "الإسلام والديمقراطية - الخوف من العالم الحديث". ويرى محمد جواد أن للتربية دورا حاسما في إخراج الأمة من ثقافة الخوف إذا تحقق لها إرادة التغيير واعتباره خيارا حاسما لرسم طريق هذه الأمة إلى القرن الحادي والعشرين، ثم المعالجة العلمية لأزمات التحول في نظام اقتسام القوة الاجتماعية.

اللغة العربية وتشكيل الفكر

يتناول الفصل الثاني من الكتاب قضية "اللغة العربية وتشكيل الفكر العربي: اللغة وديناميكيات الفكر والسلوك الجمعي من الميثولوجي إلى الوظيفي" وهي محاضرة قدمها محمد جواد رضا في ندوة نظمها مركز البحرين للدراسات والبحوث في مارس/ آذار العام .2004

ويذهب رضا إلى أن لغتنا العربية لم تعد قادرة على مواكبة العصر، فهي لغة "قواميس بدوية". والفكر يتشكل باللغة ومن خلالها، فنحن إذا نتعامل - في عصرنا هذا - بفكر بدوي روجته ومازالت تروجه قواميسنا. إلى أي حد يمكن للفكر البدوي مجاراة العصر؟! ثم كيف يمكن للغة ملتبسة ومبتلاة بالأسطرة، ممتزج فيها الحياتي بالمقدس، والعلمي بالخرافي، أن تتحول إلى لغة عملية؟

يرى المؤلف أن اللغة بقدر ما يمكنها أن تعيننا على الإيضاح، فإنه يمكنها أيضا أن تخلق الالتباس والتضليل في الوقت ذاته، ويؤكد أن تعاملنا الخاطئ مع الألفاظ وتركيباتها قد كلفنا "غاليا عبر تاريخ الحضارة العربية والإسلامية الطويل وحال بيننا وبين صنع إجماع مقبول بين قوى المجتمع المختلفة على نظام إيجابي للعيش والعمل والإنتاج واقتسام ثمرات العمل والإنتاج"... ويضيف "كان ذلك التعامل الزئبقي مع اللغة يقف وراء اقتسام ظاهرة اللاحسم في الديناميكية الاجتماعية. حدث هذا في صدر الإسلام وهو لايزال يحدث اليوم".

وعن الاستخدام الملتبس للغة يقول رضا: "في مستطاع الباحث أن يسرد عشرات أو مئات الشواهد على هذا الفعل التمويهي للغة العربية في الفكر العربي والجماعي وهو قوة لاتزال فاعلة في الفكر الجماعي العربي حتى الآن". وهذه معضلة! فاللغة تشكل الفكر وبها ومن خلالها نفكر ونفهم ونستوضح... ما يعني أن أي تعامل ضبابي زئبقي مع اللغة، يؤثر مباشرة على الفكر ويصيبه بالتشويش والضبابية نفسها... لذلك يرى محمد جواد أن "دور اللغة العربية في تشكيل الفكر العربي أكبر حجما ما يبدو به... أكبر من فذلكات لغوية لأنها تجوس في خلايا الوجود الثقافي للأمة كلها، أفرادها وجماعاتها".

وللتعابير المغبشة - بحسب المؤلف - قدرة هائلة على استدعاء معان غير قابلة للتحديد في أذهان الآخرين، معان لا يمكن ضمان التوصل من ورائها إلى نتائج نافعة للمجتمع. واستخدامنا لبعض الكلمات التي نعتقد انها مشحونة بالمعنى ستبدو وكأنها لا تقول شيئا في حقيقة الأمر! ولا تخلق غير المزيد من الالتباس... يقول محمد جواد: "كلمات مثل الحرية... العبودية... المجتمع الصالح... التقدم... التخلف... العدالة... الحق... تظل عرضة لسوء الاستعمال وإيقاع الشقاق الاجتماعي ما لم يكن هناك إجماع على مضامين محددة وشفافة لكل واحدة منها"، ويذهب المؤلف إلى أن "اللغة التي لا يحكمها العقل، أي اللغة التي تصنع عقلا خاصا بها، نظاما فكريا يتشكل وفقا للغرض المحمول في العبارة اللغوية، هي لغة مرشحة للعب دور سلبي في التفكير الاجتماعي العام، لأنها لغة تضعف فيها الدلالة الإدراكية لحساب الدلالة غير الإدراكية، أي أنها ستكون لغة أحكام مسبقة وانفعالات، وما يستتبع الأحكام والانفعالات من قلة المعرفة وسوء الظن والفرقة الاجتماعية".

كان لذلك الاستخدام للغة أثره على علاقتنا الوجودية بالكون... فتاريخيا، اصطنعنا لتلك العلاقة كلمة غامضة "تبلغ رسالة عبثية عن الوجود وعن موقعنا فيه"، والكلمة المعنية هي "الدهر". وفي الوقت الذي درجنا فيه على هذا التطويع "العبثي" للكلمات عبر التاريخ، سلك الإغريق - على سبيل المثال - مسلكا آخر في فهم الوجود، وأقل عبثية، إذ سلموا بأن الكون لا تحكمه الصدفة أو النزوات، إنما يحكمه قانون طبيعي أطلق عليه هوميروس اسم "أنانكي" "أو نظام الأشياء الكونية التي لا تستطيع حتى الآلهة أن تتخطاه وتتجاهله"... يقول المؤلف: "لقد أورثتنا عبثية الدهريين رؤية هلامية أو فنتازية في طبيعة الأشياء وعلاقتنا بها... رؤية تصرفنا عن التبصر في حقيقة الأسباب التي تصنع واقعنا الإنساني وتهدر طاقاتنا ومواردنا لأننا لا نريد أن نتعب أنفسنا في فهم حقيقة تلك الأسباب مادام التفسير الهلامي أو الفنتازي يعفينا من محاسبة النفس واحتمال المسئولية عما نعمل وعما لا نعمل، فإذا راقت لنا الأشياء بالصدفة فنكون قد أملينا إرادتنا على نظام الأشياء حتى يستجيب. وأما إذا طاش سهمنا عن مبتغانا فإن الزمن رديء ونحن ضحايا هذا الزمن الرديء". إنها الحقيقة التي ظلت مطرودة من مناهجنا التربوية وكتبنا المدرسية





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً