قادتني الظروف القاسية أخيرا إلى زيارة اضطرارية يملؤها الخوف المبطن غير الظاهر لأسباب ودواعي إظهار الرجولة أمام المحيطين في تلك العيادة وتمثيل عدم المبالاة أمام الطبيب والممرضات المحيطات في تلك الغرفة المرعبة. .. إذ كنت في زيارة إلى الطبيب فاضل في عيادة الاسنان بمستشفى النعيم الصحي لأقتلع ضرس العقل الذي حدثتكم عنه من قبل... فقد حدثتكم عنه بإسهاب حيث كنت أتوهم بأنه "ضرس العقل" هذا هو شيء رهيب كبير جبار لا يقدر عليه إلا قيام الساعة... ولكن تفاجأت في نهاية أمره بأنه لا يعدو كونه ضرسا حقيرا تافها قزما، أنا تماديت "واعذروني" وأوهمت نفسي بالدرجة الأولى ومن حولي علانية بالدرجة الثانية بقوته وجبروته وعظمته، بل وأسهبت أيضا في ذكر تاريخه وعظلاته البالونية... والأدهى من ذلك أنا الذي تسببت وبشكل مباشر في إعطائه أكبر من حجمه بكثير ما دعا أناس كثيرون إلى تصديق... بل التأثر بكلامي ووصفي المبالغ عنه!
ولكن وبعد تأنيب ضمير دام قرابة الاسبوع من اقتلاع ذلك الضرس الكريه إلى الآن... أثرت على نفسي أن أصحح خطأي وأوضح للقراء حقيقة الأمر الذي نحن بصدد الحديث عنه... وتصحيح الرؤية وإعطاء كل ذي حق حقه.
"اقتلاع" الضرس لا يراد له عنجهية وهمجية مثل السابق... وإلا فالفشل هو النتيجة المختصرة والسريعة التي ستصل إليها... فالرؤية والهدوء والتخطيط السليم واختيار الوقت المناسب يعطيك أفضل النتائج من دون آلام قبل وأثناء وبعد القلع... كما هو الحال في اتباع التعليمات الطبية من استخدام أدوية وعلاجات مناسبة كذلك يساهم في اقتلاعه... بل اجتثاثه من أساسه مهما كان قويا أو عنيفا!
بل اقتلاع الضرس وخصوصا الأضراس الكبيرة هو علم يدرس وله قادة وأبطال تخصصهم هو اقتلاع الأضراس التي أكل السوس ونخر فيها وأكل فيها مأكله... بل جعلهم فوق هذا كله... التمادي والغطرسة في آلام الناس وتشويش حياتهم في كل مأكل وكل مشرب وحتى ملبس... تصوروا! ومن جملة هؤلاء الأبطال هم الطبيب فاضل الذي استطاع وفي دقائق معدودات من اقتلاعه بسهولة ويسر ومن دون "شوشرة" ومسيل دموع! وحديثي هنا يقودني إلى اكتشاف حال هذا الضرس النكرة الذي أزعجني طوال سنتين تقريبا "الستة الأشهر الأخيرة قبل اقتلاع ذلك الضرس كانت تأجيلات بأسباب واهية كثيرة ومتنوعة سببها الرئيسي والحقيقي هو الخوف الذي أوهمت نفسي والناس به!" سنتان وأنا لا أستطيع أكل الحلاوة بأنواعها و"الباونتي" على وجه الخصوص براحة... ولكن من جهة أخرى وتطبيقا إلى "رب ضارة نافعة" لا أنكر أنه ساهم مساهمة فعالة في مساعدتي على التخسيس وتقليل الحلاوة لا كرها فيها "حاشا لله" ولكن كرها في ذاك الالم المزعج.
وعودا إلى ذاك الضرس الذي يزعج الجميع... فأنا في هذا المقام أحب أن أوضح بأني استفدت كثيرا واكتشفت أشياء أكثر من جراء اقتلاعه... وأدعو الجميع الى التكاتف والتعاضد وتحمل الالم لاقتلاع "ضرسهم" الذي ضل ينخر في فمهم طوال أعوام وظل يسلبهم الراحة والطمأنينة والعافية وصار يزعجهم في كل وقت وأصبح من طراق الليل الذي تخشاه حتى الأنبياء والرسل... أدعو الجميع إلى التكاتف والسير وراء بطل يعرف من أين "يقلع" الضرس... وراء شخص مثل الطبيب فاضل الذي هزم ذلك الضرس النكرة وانقض عليه انقضاضة هتلرية... لم يستطع الفرار منها أو حتى الالتفات لمجرد التفكير في الفرار.
إضاءة
كثيرة هي الأعوام التي مرت في حياتنا... وأكثر هي الأعوام التي مرت على آبائنا وأجدادنا... ولكن يبقى ذكرانا وشوقنا لشهر محرم متجدد بشكل غريب لا يضاهيه غرابة ولا عجب... وله نكهة جميلة لذيذة خاصة تكبر وتكبر ونرتبط بها أكثر وأكثر... فكما علمنا آباؤنا وأجدادنا بقضية الأمام الحسين "ع" وأصحابه وكم هي كبيرة تضحياتهم وكبيرة فداءاتهم... من واجبنا نحن إذا أن نعلم نحن أبناءنا وأحفادنا هذه القضية... فهي دروس وعبر من أبطال فنوا وضحوا بأنفسهم في سبيلنا ومن أجل بقائنا... وعلينا نحن أيضا أن نرد الجميل
إقرأ أيضا لـ "حمد الغائب"العدد 887 - الثلثاء 08 فبراير 2005م الموافق 28 ذي الحجة 1425هـ