بحلول فبراير/ شباط الجاري يكون شهر العسل بين الخرطوم وواشنطن الذي هل بتوقيع السلام في جنوب السودان انتهى، وذلك بصدور تقرير لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة في حوادث دارفور. فقد استغلت واشنطن المناسبة للتنكر للخرطوم من أجل تحقيق هدفها الأكبر في السودان بعد أن وضعت الحرب الرئيسة أوزارها متمثلا في إعادة شركات النفط الأميركية وفي مقدمتها شيفرون "أول شركة تكتشف النفط في البلاد العام 1974" إلى العمل هناك. وعلى رغم أن هذا الهدف يمكن تحقيقه من دون ضرر ولا ضرار فإن الولايات المتحدة تريد الاستئثار كليا بالامتيازات النفطية ومن ثم ليس هناك طريقة سوى حظر التدفق الحالي للخام الذي تقوم باستغلاله شركات صينية. وإلا لا يوجد مبرر يجعل أميركا تصر على محاكمة مجموعة من العرب البدو لمجرد أنها دافعت عن الماء والكلأ لمواشيها في مقابل تمرد منظم في دارفور مدعوم غربيا ومزود بأعتى أنواع الأسلحة، في محكمة خاصة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي تم تشكيلها في أروشا "تنزانيا" حيث مقر المحكمة المكلفة بالنظر في المجازر التي ارتكبت في رواندا العام .1994

وعلى رغم أن تقرير المنظمة الدولية لم يتطرق إلى تطهير عرقي أو إبادة جماعية، علاوة على أن كل الكيانات السياسية في السودان تتحدث الآن بلغة السلام فإن إدارة بوش وكوفي عنان تتحدثان بلغة العقوبات والمحاكمات الدولية. إن الانحياز الأميركي لمتمردين سواء الدارفوريين أو الجنوبيين سابقا لا يزيدهم إلا تعنتا في مسار التفاوض ويرفع دائما من سقف مطالبهم.

ومع إعلان نائب الرئيس السوداني على عثمان طه رفض الحكومة تسليم أي مواطن لمحاكمته خارج البلاد، تكون واشنطن خطت خطوة نحو مبتغاها.ولم يتبق لها سوى حشد الدول التي تدور في فلكها والضغط على الدولة الرافضة وشراء ذمم أخرى لكي تنفذ ما تريد. إن مبدأ المعاقبة الجماعية للشعوب اقتصاديا من أجل مصالح شخصية مرفوض وهو لا تتأثر به الحكومات القومية بقدر ما يتأثر به الفقراء والكادحون الذين تزعم أميركا أنها تعمل من أجلهم