هل المنطقة العربية - الإسلامية مقبلة على حركة إصلاح شاملة أم حرب دمار شاملة؟ من الصعب التوافق على معلومات دقيقة تحدد الإطار العام الذي تريد واشنطن إدخال "الشرق الأوسط" في آلياته لإعادة صوغ علاقاته وتوازناته وتشكل دوله. فالمعلومات متضاربة في هذا الشأن والتصريحات الأميركية كثيرة ومتناقضة فهي تعطي اشارة حمراء ثم خضراء ثم صفراء بهدف تضليل دول المنطقة وشعوبها وبالتالي تعطيل حركة المرور في كل الاتجاهات.
المسألة إذا غير واضحة في حركة السباق بين الإصلاح الشامل والدمار الشامل. وهذا يحتاج الى تحليل منطقي للمعلومات المتضاربة التي تصدر يوميا عن إدارة البيت الأبيض.
التحليل المنطقي يرجح الدمار الشامل على الإصلاح الشامل وذلك لعوامل كثيرة منها الدولي ومنها الإقليمي ومنها طبيعة السلطة "الإدارة" التي تتحكم بالقرار في واشنطن.
الإدارة الأميركية في عهد بوش الثاني أكثر شراسة وتطرفا من الأولى. فالرئيس الذي فاز في ولاية ثانية يعتبر أن تصويت الناخب لبرنامجه هو تزكية لسياسته الدولية. وهذا ما دفعه الى استبعاد الوزير المزعج "كولن باول" من الخارجية وتعيين كوندليزا رايس "المتسرعة والمضطربة" مكانه بصفتها أفضل من يعبر عن أفكاره والأقرب اليه في فهم ما يريده.
الإدارة الأميركية إذا في مرحلة جديدة من التصعيد الدولي وهي في سباق مع الاتحاد الأوروبي على تعبئة الفراغات السياسية التي تشكلت جغرافيا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي السياسي. وروسيا الاتحادية لاتزال تمر في فترة الصدمة ولم تنجح على رغم محاولات الرئيس فلاديمير بوتين في الانتقال من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم أو على الأقل وقف الاندفاع الأميركي الى محيطها الجغرافي السياسي.
في هذا الفضاء الدولي غير المتوازن تجد "كتلة الشر" في واشنطن ان هناك فرصة تاريخية للولايات المتحدة في تثبيت مواقعها والدفاع عن مصالحها قبل ان يمر الوقت وتنجح روسيا والصين والاتحاد الأوروبي في تشكيل مواقع تملك إمكانات المنافسة والمواجهة.
الهجوم الأميركي إذا مستمر وهو ليس بالضرورة يعبر عن مدى الاحساس بالقوة وانما يمثل هواجس تعكس مخاوف مستقبلية تشير الى احتمال تراجع الولايات المتحدة عن موقعها القيادي. فالهجوم الاهوج يعكس في جانب من جوانبه ذاك الشعور بالضعف أو وعي بداية طريق نزول أميركا عن موقع الدولة الأولى في العالم، فهو إذا هو ضربات استباقية لتحولات جارية على الأرض ومن الصعب وقفها من دون استخدام القوة العسكرية المتفوقة.
إنه هجوم دفاعي. فأميركا تهاجم لكسب أو تجميع أكبر كمية من الأوراق لوضعها في خزانة الإدارة قبل اللجوء الى مرحلة التفاوض عليها. وأميركا تدافع لانها تدرك ان مكانتها الدولية كقوة وحيدة في العالم لن تستمر طويلا بل هناك مؤشرات ترسم معالم تشكل مراكز قوى منافسة دوليا من الآن وحتى العام .2024
الولايات المتحدة إذا تهاجم وتدافع في الوقت نفسه. ولذلك اختارت المنطقة العربية - الإسلامية كساحة اختبار لموازين القوى الدولية لضمان موقعها في المستقبل انطلاقا من القاء القبض على دولها الضعيفة التي تملك الكثير من الإمكانات والثروات وتهيمن عليها أنظمة خائفة. فالأنظمة العربية "او معظمها" تخاف من شعوبها وتتردد في مشاركة الناس في اختيار من يمثلها سياسيا. وهي أيضا غير قادرة على الدفاع عن نفسها أو حماية مصالح الولايات المتحدة وأمنها الاستراتيجي المتمثل الآن في سلعة النفط.
يضاف الى هذا المأزق العربي وسياسة الخوف المزدوج من الشعوب والتحولات الدولية مسألة "إسرائيل" وخصوصية العلاقة الايديولوجية - العنصرية التي تربط مصالح تلك الكتلة الشريرة في "البنتاغون" باستمرار ضمان أمن تل ابيب وتفوق الدولة العبرية على مجموع الدول العربية. وبسبب هذه العلاقة الايديولوجية يمكن فهم أسباب انحياز واشنطن لمصلحة تل ابيب وعدم استعدادها للضغط عليها لتقديم تنازلات شكلية للطرف الفلسطيني في وقت تهدد رايس سورية وإيران وتتردد في تلبية دعوة السعودية الى تشكيل مركز دولي لمكافحة الإرهاب. فالتهديد والتردد يهدفان الى حماية السياسة الأميركية والدفاع عن دور واشنطن الخاص في إدارة اللعبة التي تقودها في دائرة "الشرق الأوسط"
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 887 - الثلثاء 08 فبراير 2005م الموافق 28 ذي الحجة 1425هـ