بادئ ذي بدء نتقدم بالشكر إلى وزيرة الصحة ندى حفاظ ووكيل الوزارة والوكلاء المساعدين والمديرين الذين استقبلوا رؤساء تحرير الصحف أمس في الوزارة للتحاور بشأن هموم المواطن المتعلقة بوزارة الصحة.
الحوار استمر فترة أطول مما هو متوقع وربما لم يكن كافيا لتغطية كل الموضوعات، ولكن كان باديا على بعض مسئولي وزارة الصحة "تألمهم" من التغطيات الصحافية التي يعتبرونها تضر بسمعة الوزارة وتهز ثقة المواطن بالطبيب، وكيف أن الأخبار تنشر من دون مصدر واضح ومن دون تدقيق ومن دون انتظار لردود الوزارة ومن دون وعي وفهم للمشكلات المطروحة.
على أن الحوار كان عن الاتجاهين، فنحن في الصحافة مطالبون بأن نتوخى الحذر من بعض الشكاوى، ولكننا لسنا ملزمين مهنيا بأن نفصح عن اسم الشخص الذي أعطانا خبرا، ولسنا معنيين بالانتظار فترات غير محددة حتى تكتمل الصورة قبل أن ننشر أي شيء. ولو انتظرت الصحافة الردود فإن ذلك قد يؤدي إلى إنهاء جميع التغطيات الصحافية، لأن الوزارة تستطيع أن تعطل الصحافة، تماما كما تعطل الحكومة حاليا البرلمان. فالبرلمان ملزم برد الحكومة، والحكومة سمحت لنفسها بأن تعطل الرد على أي شيء يردها من البرلمان لفترة سنتين، ولذلك فإن البرلمان شبه معطل لأنه مربوط بردود قد تأتي بعد فترة طويلة وتكون الأمور حينها قد قتلت بعامل اليأس والإحباط.
لاشك أن هناك شكاوى متعددة تتسلمها الصحافة، منها ما يتعلق بالقضايا الاستراتيجية، ومنها ما يتعلق بشكاوى المرضى والمواطنين، ومنها ما يتعلق بشكاوى الأطباء والعاملين في الوزارة ضد هذا الطرف أو ذاك داخل الوزارة، ومنها ما يتعلق بالعلاقة بين الوزارة وجمعية الأطباء، إلخ... ولاشك أيضا أن عددا من الشكاوى دافعها شخصي، فهذا الطبيب الذي يرى طبيبا آخر تمت ترقيته ليصبح مسئولا قد يتحرك للقول إن السبب وراء الترقية هو صلة القرابة بين المسئولين في الوزارة والشخص المعني، وليس من دور الصحافة الدخول في هذا النوع من القضايا إلا إذا ثبتت مع تواترها بالأدلة أو الدلالات.
لقد سعدت عندما قال أحد مسئولي الوزارة إنهم بصدد إعداد مجموعة من الضوابط لاعتماد مفهوم "إدارة الأداء" ولتحديد مدى النجاح والفشل في الخدمات، لأن مثل هذه الممارسات الإدارية الحديثة من شأنها أن توفر على الوزارة المشكلات الكثيرة.
ولكن لو رجعنا إلى مطلب آخر فسنجد أن الدول المتقدمة عادة ما يكون لديها شخص يحمل مسمى "Chief Medical Officer"، وهذا الشخص لديه مكانة محترمة ومرموقة ومشهود له بالاستقلالية ويقوم بعرض القضايا الكبرى في تقرير دوري للحكومة وللناس، ومن خلاله يمكن تحديد ما تستحق متابعته بصورة استراتيجية وبعيدة المدى.
ولو رجعنا إلى الوراء فسنرى أننا في البحرين وحتى نهاية الخمسينات كان لدينا شخص بهذا المسمى ويقوم بهذه المهمة، ثم اختفى هذا الدور على رغم أنه يمثل حالا متطورة في طريقة تعامل الحكومة مع شئون الصحة.
على أن الوزيرة حفاظ أخبرتنا أنها عينت بحرينية متخصصة في "شرف المهنة" لرئاسة وحدة شكاوى المواطنين، وأنها ستتلقى الشكاوى وتدرسها وتربطها بشرف المهنة، وأن هناك مشروعا لقانون طبي يشمل ميثاقا لشرف المهنة وسيكون ملزما قانونيا.
ولكن يجب أن نشير إلى أن تعيين شخص ووحدة لتلقي الشكاوى لن يحل القضايا العالقة. وهناك أمثلة عدة عندما أنشئت وحدة لتلقي الشكاوى، وما يحدث هو أنه وبعد ستة أشهر تصبح الأمور مستحيلة بالنسبة إلى الوحدة، وتصغر اهتماماتها بالقضايا الصغيرة الكثيرة جدا وتغرق أجندتها وتعود الأمور إلى نقطة الصفر مجددا.
إن الوزارة بحاجة إلى إعادة صوغ استراتيجية الرعاية الصحية، وأن تعتمد على وسائل الإدارة الحديثة المتوافرة في أنحاء العالم، وأن تبتعد قليلا عن توظيف الأطباء في المناصب الرئيسية... فالطبيب بإمكانه أن يحصل على راتب أفضل من المسئول في عدد من البلدان، لكن المسئول يجب عليه أن يكون إداريا محترفا... حتى لو لم يفهم في الطب سوى كيفية تناول عقاقير منع الصداع... فلعله لا يحتاج إلى أكثر من ذلك لكي يتحمل مسئولية إدارة واحدة من أهم الوزارات الخدمية في الدولة
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 887 - الثلثاء 08 فبراير 2005م الموافق 28 ذي الحجة 1425هـ