هل تستوقفكم الفكرة ام قائلها؟ إذا سئل البحرينيون مثل هذا السؤال سيجيبون بدون تردد: "الفكرة طبعا". هذا جواب سهل وشائع، لكن اذا كان هناك من أناس يهتمون بالأشخاص اكثر من الفكرة أي بعبارة أخرى ميالين للشخصنة فهم البحرينيون.
ثمة مقولة سهلة أخرى يتعين وضعها هناك كاستدراك: "التعميم خطأ". نعم هذا صحيح، وذلك الميل للشخصنة قد يبدو اقرب لتوصيفه كطبيعة بشرية. والتمييز بين الافكار والحجج والآراء ليس سلوكا يشترك فيه جميع الناس، اباؤنا ليسوا معنيين بفهم تعقيد مشكلة البطالة أو التوجهات السياسية ابعد من ان يجد الناس لقمة عيشهم بيسر وان يربوا أبناءهم بأقل المشقة. التعقيد والحجج المركبة من اختصاصنا نحن، على من تعود صيغة ضمير الجمع هذه؟ هذا السلوك سلوك النخب، نخب المثقفين والمتعلمين بكل اشكالهم، أولئك الذين ننتظر منهم دائما الاحكام الصائبة المبنية على المنطق والنقاش العقلاني والبعد عن الاهواء. على هذا ترون ان المعني بذلك الميل للشخصنة هم النخبة.
في احد معانيه، يمكن تلمس هذا الميل للشخصنة اذا ما تساءلتم مثلا عن السبب أو السر في وجود عشرات الجمعيات العاملة في ميدان واحد؟. هذا السؤال يكتسب معناه الاهم عندما نلحظ ان "التميز" في النشاط يكاد ان يكون معدوما بين كل هؤلاء الذين اختاروا أن تكون لهم مؤسسة تجمعهم، تشترك في نفس الأهداف مع جمعيات اخرى. انهم في النهاية يمارسون النشاط نفسه وبالطريقة نفسها وبالمقاربات نفسها سواء تعلق الامر بالنشاط الاجتماعي ام الرياضي ام تلك النشاطات المستجدة اليوم: السياسية أو الحقوقية وغيرها.
بامكاني أن اضع هذه النتيجة: لا نميل للاسئلة بل نميل اكثر لاعطاء الاجوبة. إن تساؤلا مثل ذاك السالف، بامكانه ان يفتح الباب على مصراعيه لنقاش ومناظرات ممتدة عن الجوهر والغايات القصوى للنشاط في ميادين عدة لان التشابه في النشاطات بين عشرات الجمعيات العاملة في ميدان واحد كفيلة لوحدها بالتساؤل. لكن احدا لا يتساءل وما هو قائم لا يستدعي التوقف او التساؤل بل يقرب للمسلمات.
لكن هذا يستدعي استدراكا: التنوع يبقى مطلوبا ولا اعتراض على تعدد المؤسسات العاملة في ميدان واحد، لكن التعدد والكثرة بدون التنوع والاضافة والابداع سيبقى دون معنى طالما ان رقم 10 لا يزيد عن الارقام التي قبله بشيء.
مازلت أتحدث عن تعدد المؤسسات في الميدان الواحد كعلامة على ذهنية ماتزال تميل للعمل في النطاقات الصغيرة التي تضم في الغالب اناسا متقاربين سواء على المستوى النفسي او الجغرافي. لكن "الميل للشخصنة" يظهر بأفضل ما يكون في فضاء الجدل العام.
كم مرة قرأتم او سمعتم كلمة "اعتذر"؟ في السنوات الأربع الماضية ووسط كل هذا الصخب، لم اسمع شخصا واحدا ينطق بهذه الكلمة. لا يتعلق الامر بالسجالات ولا بالمناوشات ولا بالمنافسات، لكن قاموسنا يخلو من هذه المفردة ان في الحياة اليومية أوفي الحياة العامة. بامكاننا تلمس العلة دون مشقة: جدلنا مرتبط بالخصومات الشخصية اكثر من الافكار.
بامكاننا الاسهاب اكثر في ذكر متغيرات وعوامل كثيرة أسهمت في هذا، فالمجتمعات المحكومة بالخوف يمكن ان تفرخ اكثر من انحراف القدرة على اصدار الاحكام بموضوعية، عدا ان الفارق سيكون كبيرا اذا ما كنا نتحدث عن اصلاح كل شيء قبل ان نلتفت إلى انفسنا نحن. نحن الذين يباهون بنا دوما على اننا الرأسمال الاهم: البشر. السنا نحن ادوات الاصلاح؟.
من تفصيل صغير للغاية، سيظهر كيف ان الشخص يهمنا اكثر من الفكرة. لقد استجلب النائب الشيخ جاسم السعيدي مثلا لنفسه مقدارا غير قليل من النقد حيال عدد من اقتراحاته في البرلمان. لكنني اليوم اجد نفسي مدفوعا لتحيته في موضوع آخر. فقد كان النائب الوحيد الذي أيد منح الجنسية لابناء البحرينية المتزوجة من غير بحريني. وايا كان منطلقه في هذا الموقف، فإن هذا الموقف لا يمكن ان يقرأ الا من زاوية المساواة بين الرجل والمرأة في حق أساسي هو حق المواطنة لابناء البحرينية والبحريني. بالنهاية وفي نظر الكثيرين ليس مهما التمييز بين ما يقوله الشيخ السعيدي في هذه المسألة وما يقوله في مسائل أخرى بقدر ما هي مهمة بطاقة تعريفه: من هو؟. هل تريدون تشخيصا آخر لانتفاء الموضوعية في أحكامنا؟
غدا سيلتقي بي احد الاصدقاء او المعارف او حتى قارئ لا تربطني به صلة وسيبادرني بالقول على شكل تساؤل: ها استاذ محمد اراك تدافع عن السعيدي؟. واذا ما استذكرت ردود فعل أخرى حيال مقالات اخرى سأجد نفسي بالنهاية انسانا متقلبا. اقول هذا لان رد الفعل الذي سمعته من مقال انتقدت فيه مقترح إنشاء هيئة للامر بالمعروف هو انني "اهاجم الاسلاميين". في كلا الحالين، لا يرتبط الامر بمدى قدرتنا على تقليب الافكار ووضعها في اطارها المناسب، بل لاننا نقرأ واداة القياس جاهزة: من الكاتب؟ وليس ماذا يقول؟
على هذا النحو ساشارككم بعض الخصوصيات: لي نحو 4 أو 5 هويات مختلفة وربما تزيد، فالتصنيف يعتمد على اصحابه. ومثلي كثيرون والفارق هو انني املك هذه المساحة اعبر فيها عما بداخلي اما هم فغالبيتهم في الظل
إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"العدد 886 - الإثنين 07 فبراير 2005م الموافق 27 ذي الحجة 1425هـ