أن نفتح بلدنا للعمالة الأجنبية بهدف التعمير والبناء، وبهدف تحقيق النهضة، وأن نرحب بالعمالة الأجنبية لأن البحرين اعتادت أن تفتح ذراعيها للزوار والعاملين، وأن تعامل الأجنبي كإنسان من دون النظر إلى لونه وجنسيته، فهذه هي ملامح البلاد الحضارية التي تعرف كيف تحتوي الآخرين، وكيف تعطي أكثر مما تأخذ، وكيف تبني لها سمعة تشهد بها الشعوب.
في مستشفى السلمانية يرقد "ع.م" سائق التاكسي الذي تعرض لحادث السرقة بالإكراه الاسبوع الماضي، وحوله يجلس أبناؤه وبناته، كلهم يرددون أسئلة مكررة لماذا يحدث هذا في بلدنا؟
تفاصيل الحادث
كيف وقع الحادث؟ التفاصيل يسردها المجني عليه، وأولاده.
في غرفة في أحد أجنحة مستشفى السلمانية، كان يرقد "ع.م" 73 عاما، تكشف ملامحه عن إعياء شديد، تخرج الكلمات من فمه مترنحة وكأنها لا تقوى على الخروج، قال بصوت ضعيف: "قال لي أولادي عما نشر في إحدى الصحف المحلية بخصوص الحادث الذي وقع لي، وللأسف كل ما جاء في الخبر لم يكن صحيحا، ولا أعرف من أين يأتون بهذه المعلومات؟ فلم يحدث بيني وبين الجاني أي خلاف على الأجرة".
ما الذي حدث إذا ياحاج؟
- كان الوقت حوالي الساعة الواحدة والربع من صباح يوم السبت الماضي كنت أقوم بتوصيل أحد الركاب الخليجيين في منطقة المنامة، وخلال مروري على فندق رويال في شارع القضيبية لمحت آسيويا ينتظر في الشارع، وبعد توصيلي للراكب الخليجي عدت من الشارع نفسه فوجدته لا يزال واقفا، وتعجبت كيف ظل طوال هذا الوقت واقفا من دون أن يجد سائقا ليقوم بتوصيله، أشار إلي فوقفت له، سألني كم ستأخذ أجرة ثمن توصيلي لمنطقة "القفول"؟ نحن نحسب بالأمتار، وفي هذا الوقت يبدأ العداد بدينار ومئتين، فعاد يسألني وأنت كم ستأخذ مني، قلت له دينار واحد، فاستقل السيارة وجلس في المقعد المجاور لي.
وما هي أوصافه؟
- شاب بنغالي في بداية الثلاثين من عمره، يرتدي بنطلونا وقميصا، لا أذكر ألوانها.
وكيف عرفت إنه بنغالي؟
- من الكلمات القليلة التي تحدث بها معي، فنحن سواق التاكسي من خلال خبرتنا وتعاملنا المستمر مع الناس نستطيع التعرف على الجنسيات المختلفة، وهذا ما جعلني أعرف إنه بنغالي.
وما الحديث الذي دار بينكما؟
- لم يكن حديثا بالمعنى المفهوم، ولكن بعد وصولنا إلى منطقة "القفول"، بدأ يرشدني إلى العنوان الذي يقصده، مرددا يمين، يسار، شرق.
اللص مرتبك
ألم تلاحظ عليه شيئا؟
- عندما أشار إلي ووقفت حتى أسأله عن وجهته كان مرتبكا بعض الشيء، ولكنني لم أرتب في الأمر.
ومتى قام بالاعتداء عليك؟
- بعد أن قادني إلى شوارع مختلفة في منطقة "القفول" وصلت إلى شارع مظلم تماما فيه بعض النخيل، وهناك طلب مني التوقف، وتوقفت وأنا مندهش أين سيذهب في هذا الشارع، فجأة ومن دون مقدمات أجهز علي ووجدته يخنقني بيد ويضغط بقوة في منطقة أعلى البطن، حاولت مقاومته ولكنه أخذ محفظتي التي كان بها نحو 130 دينارا، ثم فر هاربا، وعندما بدأت أتحسس بطني فوجئت بنزيف وعرفت إنه طعنني بالسكين في بطني، وكنت أظن انه يضغط علي بقوة فقط، وشعرت بدوار ولكنني تحاملت على نفسي وقدت سيارتي حتى مستشفى السلمانية، وفي الطوارئ أخذني الطبيب على الفور وأجرى لي الإسعافات الأولية.
الأبناء يتحدثون
- وهنا تمسك ابنته "س" طرف الحوار وتواصل الحديث قائلة: "في تلك الليلة كنت سهرانة أشاهد التلفزيون، وكانت والدتي نائمة، رن الهاتف في بيتنا مرتين، وفي كل مرة ينقطع قبل أن أجيب، ولأن هاتفنا ليس به كاشف للرقم لم أعرف من المتصل، ولكنني شعرت بالقلق على والدي فحاولت الاتصال به، ووجدت التلفون مغلقا فتأكدت ان والدي في ورطة، حتى أجابني صوت غريب، قال لي: أنا شرطي ووالدك تعرض لاعتداء من الأفضل أن تأتوا لرؤيته في طوارئ السلمانية، وعلى الفور اتصلت بكل إخواني وزوج أختي وحضرنا لرؤية والدي".
وكيف كانت حالته عند وصولكم؟
- يقول زوج ابنته: "عند وصولنا كان عمي يرقد على أحد الأسرة، وتم وضع قطعة كبيرة من القطن والشاش في بطنه، وهناك "سيلان" معلق في إحدى يديه، وكان الدكتور في انتظار موافقتنا لإجراء عملية عاجلة، وعندما حاولنا الاستفسار منه عن الحالة، قال: لابد من فتح البطن لمعرفة هل الطعنة نافذة وأصابت عضوا آخر، أم إنها طعنة سطحية، وعلى رغم خوفنا على حياة عمي لكونه كبيرا في العمر، فإنه لم يكن أمامنا خيار سوى الموافقة على إجراء العملية، وبعد ساعات قليلة أجريت له العملية، وأخبرنا الطبيب ان الطعنة أصابت سنتيمترين من الكبد، وها هو عمي يرقد يومين بعد إجراء العملية، وقد منع من تناول الطعام والشراب.
البصمات والقصاص
وماذا عن إجراءات الشرطة؟
- يقول ابن المجني عليه: "لم تكن هناك إجراءات، كل ما هناك ان حارسين كانا يقفان على باب غرفة والدي، وعندما طلبنا من الشرطة رفع البصمات من السيارة، إذ لابد ان هناك بصمات تركها الجاني في السيارة، رفضوا زاعمين انهم لن يستطيعوا رفع هذه البصمات لوجود الرطوبة، على رغم مرور سويعات قليلة على وقوع الحادث، ثم تأتينا الشرطة بعد ثلاثة أيام ليخبرونا انهم سيقومون برفع البصمات من السيارة اليوم، فهل هذا يعقل أن ترفع البصمات بعد وقوع الحادث بثلاثة أيام بدلا من أن ترفع بعد وقوع الحادث مباشرة".
وقال زوج أخت المجني عليه: "المشكلة تكمن في أصحاب السجلات الذين يأتون بعمال "الفيري فيزا" ويتقاضون منهم مبالغ نظير وجودهم في البلاد والسماح لهم بالعمل في أماكن أخرى، وقبل انتهاء إقامتهم يقومون بتبليغ وزارة العمل ويدعون هروب هؤلاء العمال، حتى تقوم الحكومة بتسفيرهم، ويستفيد أصحاب هذه السجلات بتأشيرات جديدة ويقومون بتكرار اللعبة نفسها، لابد من وجود رقابة على هؤلاء الذين يتلاعبون بهذه العمالة ويسهلون وجودها في البلد، بلا رقابة أو ضامن لها، المشكلة ان الناس ستخاف من مساعدة الآخرين وخصوصا ليلا، فسائق التاكسي عندما يقوم بعمله ليلا فهو يتقاضى أجرا، ولكنه في الوقت نفسه يقدم خدمة، فمن يضمن له ان الراكب الذي يستقل السيارة ليلا لن يكون مجرما ويعتدي عليه؟ نطالب بتحذير السواق وبعمل حاجز يثبت في السيارة أسوة بالبلاد الغربية يفصل بين السائق والراكب حتى يحد من وقوع مثل هذه الجرائم. ثم إن لو كانت هناك أحكام رادعة لما تكررت هذه الحوادث، فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب" "البقرة: 179"، إذا فالقصاص يحافظ على الحياة، فلماذا لا يوجد لدينا القصاص الرادع الذي يحافظ على أمان الناس في بلدنا التي يطلق عليها بلد الأمن والأمان؟".
نناشد وزارة الداخلية
وهنا رددت عائلة المجني عليه: "أين دوريات الشرطة التي كانت تجوب الشوارع وتشعر كل من تسول له نفسه بالجريمة، أن هناك من يحمي الناس؟ أين الشرطة المترجلة التي لم تعد لها وجود؟ أين القوانين والأحكام الرادعة؟ لم نسمع عن حكم واحد رادع لمجرم قام بالاعتداء على الآخرين، الخادمة التي قتلت مخدومتها حديثا، ما هو الحكم الذي سيحكم به عليها، ربما تسفر فقط، عندما يشعر المجرم انه يستطيع القيام بجريمته وهو آمن ولن يكون هناك ما يردعه، ألا يكرر جرائمه وهو مستمتع بذلك؟ ألا يقال "من أمن العقوبة أساء الأدب"؟".
وتقول ابنة المجني عليه: "والدي ليس في حاجة إلى العمل، وقد طلبنا منه مرارا أن يترك العمل ويرتاح في البيت، فنحن جميعا نعمل، ولكنه يرفض ذلك لأنه يشعر ان العمل حياته ويريد أن يشعر انه لا يزال يعطي، ولكننا بعد هذا الحادث لن نسمح له بالعمل مهما حدث، فيكفي القلق الذي نعيش فيه من هذا الحادث الأليم الذي تعرضنا له جميعا، نحن نناشد الملك بأن تعود البحرين كما كانت دائما بلد الأمن والأمان وتختفي الجريمة، وتتم مراقبة كل العمالة التي تسبب هذه الجرائم، وأن يقع عليها الجزاء الذي تستحقه حتى لا تصبح حياة الناس في نظر هؤلاء بلا قيمة".
وبصوت ضعيف قال المجني عليه: "أنا منذ 47 عاما اعمل سائقا لحكام المباريات، فأنا سائق التاكسي الوحيد الذي وثق فيه الاتحاد البحريني لتوصيل الحكام خلال كل هذه السنوات، حبي لعملي وسعادتي به هو ما جعلني أرفض الجلوس في البيت، وأصر على العمل ولم أكن أعرف انني يمكن أن اتعرض لهذا الحادث في بلدي".
العمالة السائبة
اتصلنا بوزارة الداخلية طرحنا عليهم أسئلتنا، ووعدونا بالرد.
رئيس لجنة الشئون الخارجية والدفاع والأمن الوطني في مجلس الشورى الشيخ خالد بن خليفة آل خليفة، اتصلنا به كان خارج البحرين وبالتحديد في مطار - هيثرو - وعلى رغم انشغاله فإنه تعاون معنا وأجاب على أسئلتنا، إذ قال: "المشكلة تكمن في العمالة السائبة الموجودة في البحرين، فعلى رغم ان لهذه العمالة إيجابيات كثيرة اقتصادية واجتماعية، لها أيضا مساوئ لا يجب إغفالها، إذا لم يكن لهذه العمالة وضع قانوني في البلاد، ينعدم في هذه الحالة وجود مسئول عن هذه العمالة أو ضامن لها، وتصبح هذه العمالة معرضة للابتزاز، وهذا ما يجعل بعضهم يبحث عن تعويض لأوضاعهم الاقتصادية والمالية فيرتكبون الجرائم، أما لو كانت أوضاع هذه العمالة قانونية فهنا لا نستطيع أن نقصر هذه الجرائم على العمالة الآسيوية وحدها، فهناك سرقات مماثلة ترتكب من قبل بحرينيين، وهذا ما يجعل مسئولية كبيرة تقع على عاتق وزارة العمل بالتنسيق مع إدارة الهجرة والجوازات في وزارة الداخلية للقضاء على مشكلة "الفري فيزا"، التي بحلها ستحل كثير من المشكلات المتعلقة بها".
ويتوقف الحديث، وأعود وأنظر إلى سائق التاكسي الراقد في غرفة في مستشفى السلمانية، لا يعرف متى يشفى؟ وكم ستطول إقامته هناك؟ وأردد "هل يعقل أن ننام مفتوحي العيون في بلدنا، وأن نخشى على حياتنا في ديرتنا؟ هل هذا معقول؟!".
قال القائم بأعمال مدير إدارة أمن منطقة المنامة عيسى المسلم إن الإدارة اتخذت الإجراءات القانونية لسائق سيارة أجرة بحريني إذ قام آسيوي بطعنه بسكين في صدره في منطقة المنامة وذلك اثر مطالبة سائق الأجرة بدفع ثمن أجرة التوصيل.
وذكر المسلم أنه تم ابلاغ النيابة العامة عن الحادث والتي تولت التحقيق في ملابساته، ورفع البصمات من سيارة الأجرة التي وقع بها الحادث ومازالت عمليات البحث والتحري جارية للكشف عن هوية الجاني
العدد 886 - الإثنين 07 فبراير 2005م الموافق 27 ذي الحجة 1425هـ