العدد 886 - الإثنين 07 فبراير 2005م الموافق 27 ذي الحجة 1425هـ

أوغوست بارتولودي

باريس - باسكال فريري 

تحديث: 12 مايو 2017

غالبا ما ننسى أن أكثر معلم أثري شهرة في الولايات المتحدة الأميركية، أي تمثال الحرية، هو من صنع الفرنسي أوغوست بارتولودي. تمثل الذكرى المئوية لوفاته مناسبة لتذكر عطاء ومهارة من أبدع أعمالا تزين المدن الرئيسية في فرنسا كما نيويورك وواشنطن. اشترك متحفا مدينتي كولمار وبلفور في تنظيم معرض خاص بأعمال الفنان استمر حتى يناير/ كانون الثاني .2005 كما صدر حديثا سيرة حياة بارتولودي في فرنسا عن منشورات بيران من إعداد الجامعيين روبير بيلو ودانيال بيرمون. تلتقي المبادرتان للتركيز على الإبداعية الإستثنائية لهذا النحات الألزاسي والذي عرف بإعطاء صورة لفكرة الديمقراطية.

إذا كان تمثال الحرية هو اليوم أشهر نحت في العالم، فإن حياة مصممه تكتنفها الظلال. أوغوست بارتولودي الذي نحتفي هذا العام بالذكرى السنوية لوفاته هو بلاشك واحد من كبار النحاتين في القرن التاسع عشر. عرف ببث انفعال غريب في تماثيله التي أرادها دائما عملاقة. ويأتي كتاب روبير بيلو ودانيال بيرمون الصادر حديثا في فرنسا لتصحيح هذا الظلم ولتكريم من قدم طاقته كلها لتكريم الحرية ولتكريس أبطال الجمهورية الثالثة. كما يتشارك متحفا مدينتي بلفور وكولمار من أجل تنظيم معرض استثنائي عن بارتولودي وعن أسده الشهير "أسد بلفور" الذي تزين نسخة منه اليوم ساحة "دنفير روشرو" في باريس.

ولد أوغوست بارتولودي في مدينة كولمار، في منطقة الألزاس، شرق فرنسا العام 1834 وأقام أول متحف له في باريس منذ السادسة عشر من العمر. تأثر الفنان برحلة قام بها إلى مصر واليمن العام 1855 - 1856 وعاد على إثرها محملا بالصور والرسوم، بشكل خاص بمعاني السحر و الأسرار الخاصة بالتماثيل المصرية. تم الاعتراف التام بمهارة بارتولودي لدى تدشين "أسد بلفور" العام ،1880 إذ انتصب الأسد على أقدامه وكأنه أزعج في رقاده، ومن ثم أصبح رمز اعتزاز المنطقة بأسرها التي رفضت الحاق مقاطعتي الألزاس ولوران بألمانيا. يشار إلى أن النحات الذي توفي العام 1904 في باريس، لم ير ثانية الألزاس مسقط رأسه، لوقوعها تحت الاحتلال الألماني.

توجد أعمال بارتولودي في الكثير من المدن الفرنسية والأجنبية، وله أيضا منحوتات قصر لونشان في مرسيليا، وفي ساحة تيرو في ليون، وفي باحة الأنفاليد وفي ساحة الولايات المتحدة في باريس. كما له نحت عين ماء الكابيتول في واشنطن، وتمثال "لافاييت يصل إلى أميركا "في يونيون سكوير في نيويورك، وساحة محطة القطار في بارزل. خلد بارتولودي بعض عظام فرنسا، وله نحت برونزي لورجيه دو ليل، مؤلف لا مارسياز "النشيد الوطني الفرنسي"، وبرونزية غامبيتا الجمهوري، وشامبليون عالم الآثار المصرية وديدرو أحد فلاسفة الأنوار.

أحسن بارتولودي التصرف مع مختلف أنظمة الحكم فقبلته، إن كانت الأمبراطورية الثانية في عهد نابليون الثالث أو الجمهورية الثالثة. يروي روبير بيلو ودانيال بيرمون أن معتقداته الجمهورية تأكدت تدريجيا. والشاهد على تطوره أكبر أعماله: تمثال الحرية الذي كرس إيمانه بالعالمية وبالديمقراطية.

في حين يبدو اليوم أن تمثال الحرية لا ينفصل عن صورة الولايات المتحدة الأميركية، نشير إلى أن بارتولودي عانى كثيرا من أجل قبول مشروعه. فمنذ وصوله إلى الولايات المتحدة التي زارها من أجل تجديد مصادر الهامة، راودته فكرة وضع التمثال الهائل في جزيرة بلدوي التي أصبحت فيما بعد "ليبرتي آيلاند". لكن المشروع الذي بدأه العام 1871 لم يبصر النور إلا العام 1886 بسبب بطء الاكتتاب العام الذي أعلن في الولايات المتحدة لتمويل قاعدة التمثال. في الواقع، إن تمثال "ميس ليبرتي" هو قبل كل شيء هدية من الفرنسيين إلى الأميركيين من دون تدخل حكومتي البلدين. لكن ومنذ التدشين، سقط المعنى الأول للعمل والمتمثل بالتذكير بمساعدة الفرنسيين للاستقلال الأميركي، لكي يتحول المصباح الذي يرفعه التمثال على الشواطئ الأميركية إلى رمز للمهاجرين من سائر انحاء العالم معلنا بداية حياة جديدة وممثلا رمز الحرية الفردية والسياسية. لقد كان حدس بارتولودي هنا ومن دون أدنى شك، عالميا لأنه تمكن من إعطاء صورة للقيم الديمقراطية





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً