العدد 886 - الإثنين 07 فبراير 2005م الموافق 27 ذي الحجة 1425هـ

إشكال الصورة!

المنامة - عادل مرزوق 

تحديث: 12 مايو 2017

ثمة إشكالية تتكرر إلى حد الجدل وتدعو المتابع للبحث والتقصي كأنما الحقيقة ما هي سوى ظهر القطة، نادرا ما يلامس ظاهر الأرض. ما بال الصبية لا يطيقون مادة التعبير والإنشاء في المدارس، ما بال قواعد اللغة العربية والنحو والصرف أصبحت مواد يتأفف منها الآباء قبل الأبناء، وما بال بعض النخبة، هؤلاء الذين تعتبر الكتابة جوهر نخبويتهم لا يطيقونها.

خطر كبير ينشأ بين ظهرانينا، وهو عقدة الاستغناء عن العامل اللغوي أو الانكماش تجاه ضبط اللغة تركيبا ونسجا، لعل الرابح في هذه الإشكالية هي ثقافة الصورة والخاسر الأكبر هو الكتاب.

لا شك أن المخزون المعلوماتي والثقافي لهذه الأجيال هو ضعف أو أضعاف ما كان لدى الأجيال الماضية، غير أن ملكة التعبير تضيق في حالة حرجة لدى هذا الجيل. إن انحسار الملكة اللغوية إلى حد العدم دلالة تعود مرجعيتها إلى ثقافة الصورة التي أمست سائدة مسيطرة، والتي بدأت تتولى إيصال المعلومة الثقافية في معزل واستغناء عن سياق الأداء التعبيري. لعل نخبوية الإيصال أمست تقتضي هذا الإقصاء.

الصورة أداة قمع الخيال لا تمنح هذا الجيل فرصة للتخيل، والتخيل الذي هي محرومة منه يتضمن في تكونه تشخيص الحركة وما يعين على تجسم الحدث، وغدت الصورة تلعب هذا الدور ببساطة متناهية محتكرة دور اللغة ومجالات عملها وحتى متعتها إن صح التعبير.

إعلاميا، تهتم الأجهزة الإعلامية بالبرامج الخاصة التي تسعى إلى التكوين اللغوي والتعريف بأسرار اللغة في انتصار لثقافة اللغة والكلمة ضد ثقافة الصورة. لكن هذا الانتصار بدأ يأخذ اتجاها آخر في الفترة الأخيرة، فالصورة التي هي المكون الرئيسي للجهاز التلفزيوني لم ترض بأن يكون للغة سيطرة في قعر دارها.

بداية كانت الصورة هي وسيلة الإيضاح التي ترفق بالنص لتعين المتلقي على الإلمام والفهم للنص، كأنها الطريق نحو استحصال المعرفة التي يحتفظ بها النص بقدسية واضحة، إذ كانت الصورة تلعب دور المساند والمساعد للكلمة المكتوبة خصوصا في المجالات التربوية. ثم تقدمت ثقافة الصورة في تسارع رهيب لتأخذ مكان القداسة المعرفية للنص فأضحت هي العنصر المعرفي الرئيسي وأضحى التعليق بكلمة أو كلمتين عنصرا مساندا بالاستطاعة الاستغناء عنه إن لم يكن من الأفضل فعل ذلك، إذ أضحت الكلمة تعقيدا واستخفافا بالقارئ الذي يستطيع استحصال المعلومة من دون الحاجة للنص فهو يستطيع الرؤية والفهم لما يرى.

الإنسان عايش ثقافة الصورة منذ القدم لغاياته الجمالية والفنية. بل تعدى مفهوم التعايش ليكون تخليدا لحضاراته ولتاريخه، فالإنسان كان أول من دون تاريخ تجاربه الأولى، فكانت الصورة والحفريات التي رسمها ليعبر عن احتياجاته أو آلهته أو حتى نزواته. للصورة علاقة تاريخية بالإنسان وبكل إنسان على حد سواء، وعادة ما يتباهى الرسامون بأن لغتهم الثقافية هي لغة عالمية وثقافتهم ثقافة عالمية.

تأسست للصورة حركتان متوازيتان أو سلطتان، سلطة الاستقلال للصورة بنفسها كأداة معرفية متكاملة. وسلطة المزاحمة مع اللغة، بل إن الصورة استطاعت التغلب على اللغة في الكثير من المجالات كالدعاية والإعلان. يمكننا الآن فهم الكثير من اللوحات الإشهارية الإعلانية التي لا تحتوي على أية كلمة منطوقة، فقط الصورة بإمكانها إيصال المعلومة للمستقبل والتأثير عليه بالشكل المطلوب.

تطورت ثقافة الصورة في الكثير من الأشكال التعبيرية، فالتمثيل المسرحي لم يعد النص مركز إبداعيته وتفرده، وحتى في الإطار التربوي بدأت الصورة تلعب الدور الرئيسي في المناهج التربوية بدل اللغة لما لها من تأثير كبير على الطفل وتفجير ملكاته الإبداعية. والفيلم السينمائي الجيد هو ما يفهم من خلال عرضه ومؤثراته لا من خلال لغته. فنحن نشاهد المؤثرات والعرض أكثر من اهتمامنا باللغة التي ينطق بها الممثلون





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً