العدد 886 - الإثنين 07 فبراير 2005م الموافق 27 ذي الحجة 1425هـ

المحروس يفتح "سوق الجنة" ويفرش معروضاته

في معرضه الفوتوغرافي الأول

الوسط - غسان الشهابي 

تحديث: 12 مايو 2017

دلف حسين المحروس غرفة التصوير الفوتوغرافي في حين كان يغادرها الكثير من المهووسين بها/به، فكان التصوير في البحرين ليس استوديو يلتقط صورا للأوراق الرسمية، وليس على شاكلة "زوجوا بناتكم"، ولكنه أخذ يترسخ ويمتد في البلاد، وتشكلت له ثقافته الخاصة التي حاولت أن تناوئ وأن تقول إنها فن قائم وله من القواعد العالمية ما له.

قيل إن المصورين في البحرين كانوا يغارون من التشكيليين، ولما لم يمنحهم الله بين أصابعهم قدرة إمساك الفرشاة وخلط الألوان، ذهبوا إلى فن "أوضع" لتسجيل اللقطة وتجميدها عبر آلة "الكاميرا" ومضوا فرحين باكتشافهم ذاك... إلا أن هذا القول ينم عن قصور ثقافي في المجتمعات العربية ربما، إذ لا تزال الصورة النمطية للمصور كما شكلتها أفلام عبدالحليم حافظ - وما جاء بعدها - تذهب إلى شخصية الصعلوك "عبدالسلام النابلسي" الذي يشكل السنيد للبطل، ولايزال الكثيرون يظنون أن الأمر لا يعدو "كبسة" زر... وتأتي الصورة.

المحروس الذي بدأ بالكاد واحدة من تهويماته بإقامة معرضه الشخصي الأول، والمسمى بـ "سوق الجنة"، قرر أن يعرض نحو سبعين من أفكاره، وأن يعري نفسه وعينه أمام المشاهد العابر والناقد المتبصر، سبعون دكانا في سوق الجنة توعنت بين التصوير بالأفلام الاعتيادية "السالبة"، والشرائح "سلايدز"، وكذلك التصوير الرقمي الذي فتح أمام المحروس منذ العام 2002 أفقا جديدا، كما فتحت للمصورين الآخرين الأفق نفسه، ويظل الإنسان، أو بعض الإنسان هو الهاجس المسيطر على المحروس في سوقه الذي يقيمه في مركز الفنون منذ السادس من هذا الشهر.

"قند" الجنة

من يعرف المحروس يعرف كم هو مذهول بالقند "مكعبات السكر"، فكان الاثنان "المحروس/القند" وكأنما يبحثان عن بعضهما في متاهة، فأوشك أن يسمي معرضه "الذين يحملون القند"، ويقول: "كنت أرى أن كل إنسان - مهما كان - يحمل في داخله شيئا من القند للآخرين، أو ربما لنفسه على الأقل. لكن - وبعد أن تم الاتفاق مع نفر من الحمقى للمزاوجة بين صوري ونصوص من ابن عربي - رأيت أن يكون اسم المعرض من ابن عربي أيضا زيادة في الحماقة".

وقع المحروس على نص لابن عربي في رائعته "الفتوحات المكية"، وهو اسم أحد فصول المجلد الثالث، فوجد التقاء مذهلا بين الصوفي والفوتوغرافي، فكان ابن عربي أن كتب "ألا ترى الصور في سوق الجنة كلها برازخ، تأتي أهل الجنة هذه السوق وهي التي تتقلب فيها أعيان أهل الجنة، فإذا دخلوا هذه السوق فمن اشتهى صورة دخل فيها، وانصرف بها إلى أهله كما ينصرف بالحاجة يشتريها من السوق فقد يرى جماعة صورة واحدة من ذلك السوق فيشتهيها كل واحد من تلك الجماعة فعين شهوته فيها التبس بها ودخل فيها وحازها فيحوزها كل واحد من تلك الجماعة، ومن لا يشتهيها بعينه واقف ينظر إلى كل واحد من تلك الجماعة قد دخل في تلك الصورة وانصرف بها إلى أهله، والصورة كما هي في السوق ما خرجت منه".

تعليقا على هذه اللقية، يقول المحروس: "أدهشني كثيرا اسم "سوق الجنة"... ووجدت "السوق" كلها ناس لا بداية لها ولا نهاية، وهي محل الدهشة للزائر، وفيها المتعة للمتفرج، بها أصناف من الناس، وهي مكان مفتوح دائما للرغبة وعلى الرغبة، في حركة مستمرة تتغير فيها الوجوه وتتبدل... كل ملليمتر حركة! وجدت السوق كلها عيون! ثم زاد هذا الاسم إضافته الجميلة لكلمة "الجنة" حيث الفتنة على آخرها والقند للجميع! عرضت الاسم على "حمقى السوق" فكانت الموافقة!! بعد ذلك بدأ العمل جادا ومتعبا للغاية في البحث عن نصوص في أكثر من 16 كتابا لمحيي الدين بن عربي، تشترك معها الصورة في الظلال والتأويل. لم تكن المسألة مريحة ولا سهلة على الإطلاق. وهي وحدها تحتاج إلى كتابة سيرة طويلة هي سيرة البحث المضني عن هذا التماس بين النص والصورة، قام به كل من باسمة القصاب وفضيلة الموسوي وعلي الديري وصاحب السوق".

انزلاق لذيذ

يترك المحروس للصورة أن تتكلم وتوصل مع النص ما أراد أن يوصله هو نفسه، ويلتفت إلى المصورين الذين سبقوه ثم تركوه في عراء المشهد، مع قلة من المتحمسين وذوي البصيرة، وذوي "التصور"، فيشكو في وحدته وغربته "قلة المصورين المثقفين الجادين. وانفتاح معظم المصورين على التصوير التجاري الذي يخدم الإعلانات التجارية. مع أن الأخير صار فنا الآن لكن ليس هنا. وفي المقابل انشغال بعض المصورين بثقافة التصوير دون الممارسة".

عمل المحروس قبل أكثر من عام على إنجاز كتيب لمعرض الفنان الفوتوغرافي عبدالله الخان، وهو دأب ميز السنوات الأخيرة للمحروس لتسجيل سيرة الضوء في البحرين، سيرة الصورة، أو صور من سير من التصقوا بالصناديق الصغيرة ذات الدائرة الزجاجية... لما رأى الجمهور الذي كان يبحث عن نفسه في معرض الخان، قدح ذلك الأمر شيئا في نفس المحروس ليقول: "الجمهور هنا تواق للصور الفوتوغرافية ويحرص على الحضور. كان عدد الجمهور كبيرا جدا في معرض "عبدالله الخان ... الضوء عيون" الذي أقامته إدارة الثقافة والفنون. وكذلك في معرض المصور الأميركي توماس والجيك في قاعة الفنون التشكيلية بمتحف البحرين. ثمة خلل كبير في نشاط التصوير في البحرين للثقافة والاقتصاد والمصورين والجهات الرسمية دور كبير في بطء نموه وتراجعه. لقد تم الاهتمام بالتشكيل ودعمه بشكل متواصل بمعرض سنوي كبير، على حساب التصوير. لذلك هناك توجه الآن لدى إدارة الثقافة والفنون في إعادة الاعتبار للتصوير والمصورين فكان معرض الخان هو الفاتحة، وهناك معارض أخرى مقبلة لمصورين يمكنني أن أسميهم بين قوسين "رواد التصوير". لكن المهم أن لا يقل دعم التصوير عن التشكيل والفنون الأخرى. أنا متفائل بأن التصوير سيأخذ دوره إلى جانب التشكيل قريبا".

كحاته وسعاله وصوته المتهدج الذي أتى قبل افتتاح المعرض بأيام قليلة عبر الهاتف، كانت تفصح عن كم الجهد البدني الذي بذله المحروس بعدما أقفل باب التعب الذهني بالبحث عن النصوص وعما يصلح ليقول صورة، أو ليصور قولا.

"سوق الجنة" يترك للمشاهد فسحة لينتقي منه ما يتخاطب معه، ليلج فيه، ويتماهى





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً