قرأت أول قصة من القصص الصينية وأنا على مقاعد الدراسة في المرحلة الابتدائة. ولاأزال حتى هذه الساعة أحفظ ملامحها. فما سبب هذا كله؟! هناك تعبير جميل حفظته الأفهام مفاده أن ما يخرج من القلب يستقر في القلب، وليس أصدق من القصص الصينية، دليل على أن ما يخرج من القلب يستقر في القلب، فالقصص الصينية ليست نسجا قصصيا فحسب وانما هي شيء من ملاحة الحياة وعنفوان شخوصها. وذلك بين واضح في كل قصة يكتبها أدباؤها سواء أولئك الأقدمون أو المتأخرون، الذين تقرأ لهم فتشعر وكأن هناك خيطا متوهجا منذ جدودهم امتد حتى وصل اليهم فكان علامة مميزة فيهم.
القصة الأولى التي قرأتها تحكي عن رجل ذكي الملامح حاد الطبع مهووس باغواء الناس كان يمشي ذات يوم فوجد ماء البحيرة متغيرا يميل الى السواد، وتلك علامة كان يفهم منها الصينيون بأن المطر لن ينهمر. فكر الرجل في حيلة جديدة يغوي بها الناس فخرج ووضع لوحة عند البحيرة تشير الى أن المطر سينزل لأن التنين الأعظم سيظهر في السماء. كتب الرجل تلك العلامة وانصرف وكلما قابل شخصا أخبره بأن هناك علامة تشير الى أن التنين الأعظم سيظهر فعلى الناس أن يختبئوا في بيوتهم. فما ان حل الغروب حتى جلس الناس في بيوتهم خوفا من التنين الأعظم. وعندما جاء المساء رأى الناس دخانا كثيفا مع أمطار غزيرة ورأوا التنين يخرج من الماء نافخا النار من منخريه. عندها أطل الرجل من نافذة بيته والفزع والخوف يملآنه ليتساءل هل ظهر التنين فعلا؟ صدق الرجل حكاية التنين مع أنها كانت خرافة من صنعه.
فأين يقع الفرد منا على أجمل من تلك الحكاية التي تمازج بين الواقع والخيال والتي تبدو الحكمة ساطعة باهرة بين ألوانها، تلك الحكمة التي أصبحت مزية تكاد لا يخلو منها الأدب الصيني في كل مراحله
العدد 885 - الأحد 06 فبراير 2005م الموافق 26 ذي الحجة 1425هـ