افتتح في "البحر الميت" في الأردن أمس مؤتمر عن "الإدارة الرشيدة لخدمة التنمية" وتشمل شقين لمبادرة طرحتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "ما يسمى بـ "نادي الأغنياء" لأنه يضم في عضويته ثلاثين دولة ذات اقتصاد متطور" بالاشتراك مع الجامعة العربية وبرنامج الأمم المتحدة الانمائي. وأملنا ألا تكون المبادرة "ميتة" لانها تنطلق من "البحر الميت" والأمل ايضا ألا يقوم احد مسئولينا بترديد عبارات تقول إن البحرين هي "الأفضل" في كل شيء ونأمل ان يتم التطرق الى موضوعات الإدارة الرشيدة والحكم الصالح والبيئة الاستثمارية.
إن البعض يعيش عقدة مفادها اننا في البحرين "الأفضل"، وبما اننا الأفضل فلا داعي لحضور مؤتمرات الا لكي نخبر الآخرين ننا أفضل منهم. ولن تنقصنا بعض المؤشرات غير الدقيقة مثل تلك الصادرة عن مؤسسة "هيرتيج" الاميركية وغيرها والتي تكرر باننا افضل من غيرنا في البيئة الاقتصادية وفي الإجراءات المطلوبة للاستثمار. هذه المؤشرات غير صحيحة لسببين، الأول هو ان مصدر المعلومات "رسمي" ولا يوجد لحد الآن أي مصدر غير رسمي لتوفير معلومات أكثر دقة، فيما عدا ما حصل حديثا في ورش العمل التي أدارها مجلس التنمية الاقتصادية. فمثلا، تقول الاحصاءات الرسمية ان البطالة تعادل 5 في المئة أو أقل، بينما قالت دراسات مجلس التنمية إن البطالة هي 15 في المئة. وعليه، فإن مؤشرات تصدر هنا وهناك وتأخذ بمعلومات خاطئة لابد وانها تكون خاطئة ايضا.
السبب الآخر هو اننا نعيش في البحرين ونعلم انه ليست لدينا إجراءات وإدارة وحكم قانون يسري على الجميع كما يتطلب ذلك مفهوم "الحكم الصالح" الذي يتحدث عنه المؤتمر في الاردن. ودليل ذلك انه ليست لدينا اجراءات تتناسب ومفهوم الحكم الصالح، وما على المرء الا احصاء عدد مكاتب "تخليص المعاملات". فلو كانت الإجراءات سهلة وحسب ما يطلبه الحكم الصالح، لماذا نحتاج إلى "مخلصين" من الاساس؟
إن على من يشارك بصورة رسمية باسم البحرين ان يحترز من ترديد العبارات التي ينشرها باسمه في الصحافة المحلية امام خبراء دوليين قادمين من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. فهؤلاء ليسوا أطفالا لا يفهمون ما يجري في عالمنا العربي. ولو كانت الأمور ممتازة واننا الأفضل، فلماذا لا نبادر نحن لإصلاح الدول والنظم الأخرى؟ ولماذا وافقنا على المشاركة في مبادرة دولية لمساعدتنا في الاصلاح المؤسسي بهدف تحقيق الحكم الصالح؟
الحكم الصالح يتطلب استقرارا سياسيا معتمدا على مشاركة فعالة للمواطنين في القرارات الاستراتيجية، السياسية منها والاقتصادية، كما يتطلب سلطة تشريعية ورقابية تمثل المجتمع وتقوم بدورها بكفاءة وفعالية، وتتطلب وجود سلطة تنفيذية خاضعة للانتخاب ولمراقبة السلطة التشريعية والصحافة المستقلة. ويتطلب الحكم الصالح وجود احزاب سياسية ونقابات وجمعيات أهلية متفاعلة مع الشأن العام ضمن معادلة حاصلة على اجماع الاكثرية، ويتطلب "حكم القانون" العادل والسريع والمطبق على الجميع، ويتطلب إدارة عامة متطورة وغير فاسدة وغير مترهلة، ويتطلب نخبة سياسية واقتصادية ذات شأن واحترام لنفسها وللمبادئ السامية التي تصرح بها، ويتطلب بيئة اقتصادية تعتمد الشفافية وعدم الخلط بين الحكم والتجارة، ويتطلب أمورا مهمة جدا مازلنا لم نبدأ في اصلاحها...
وعليه فإن علينا التوقف عن القول إننا "الأفضل" وان نستمع جيدا، ونسعى لتطبيق أفضل الممارسات التي أنتجتها التجارب الإنسانية الماثلة أمامنا..
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 885 - الأحد 06 فبراير 2005م الموافق 26 ذي الحجة 1425هـ