تناول السيد محمد حسين فضل الله، في خطبة الجمعة المسألة الفلسطينية بقوله أن هناك حركة عربية تقودها مصر، وترافقها الأردن، لتجمع شارون وعباس في مؤتمر قد تنضم إليه وزيرة الخارجية الاميركية، ومن الواضح أن هذه القمة تنطلق من الشروط الإسرائيلية السابقة في تقديم مسألة الأمن على السياسة، انطلاقا من الاستراتيجية الاميركية - الإسرائيلية التي تحمل الجانب الفلسطيني مسئولية الأمن، تحت شعار "منع الإرهاب" من خلال تفكيك المنظمات المسلحة، لأن إقناع الفصائل بالتهدئة وحده غير كاف لإطلاق المفاوضات بشأن تطبيق "خريطة الطريق"، وإن "إسرائيل" سترفض المطلب الفلسطيني بالتحرك سريعا على المسار السياسي قبل تحقيق الالتزامات الأمنية، الأمر الذي يعني العودة الى نقطة الصفر.
إن المطلوب إسرائيليا هو إسقاط عنصر القوة الفلسطيني، ليدخل الفلسطينيون في المفاوضات من دون أية ورقة ضاغطة، في الوقت الذي يملك فيه الصهاينة كل الأوراق بما فيها الورقة الاميركية، وربما العربية الضاغطة. ولذلك، فإن من الصعب الوصول الى أية نتيجة في التقدم نحو بداية الحل من خلال هذه القمة التي نخشى أن تكون وسيلة من وسائل الضغط على السلطة في تقديم التنازلات الأمنية وربما السياسية لحساب "إسرائيل"، على طريقة قمة العقبة التي جرت برئاسة بوش.
ولذلك، فإننا نتابع هذه المرحلة الصعبة التي تدخل فيها القضية الفلسطينية في ساحة مليئة بالألغام الأمنية والسياسية، ما يفرض على الشعب الفلسطيني المزيد من الوعي والوحدة والصمود، وعدم تجاوز الخطوط الحمر ورفض الفتنة الأمنية والسياسية بين أبناء الشعب الواحد، من أجل الوصول الى الاقتراب من تحقيق الهدف الكبير وهو التحرير، بقوة المواقف.
وإذا كان الرئيس الاميركي ووزيرة خارجيته يتحدثان عن أن الدولة الفلسطينية "في متناول اليد"، وأنها لا بد أن تكون "متصلة جغرافيا وقابلة للحياة"، فإنهما لا يتحدثان عن مساحتها وهل هي بحجم قرارات الأمم المتحدة، أو أنها بحجم مطامع "إسرائيل" التي أكدها الرئيس بوش في "رسالة الضمانات" التي بعث بها الى شارون، وفي حديثه المستمر عن "واقعية التطورات" التي تفرض على الفلسطينيين التنازل عن حق العودة، والقبول بالمستوطنات الكبرى، الى غير ذلك من الثوابت الوطنية.
وفي ضوء هذا، لا بد للسلطة الفلسطينية التي تتحدث عن التأكيد على الثوابت، أن تواجه المرحلة بعينين مفتوحتين، وبذهنية مسئولة لا تبتعد عن استراتيجية القيادات التاريخية والشهداء الأبرار، على أساس أن "المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين".
أما في العراق، فقد انطلقت الانتخابات بين "سندان الاحتلال ومطرقة التكفيريين"، لتوحي بإخلاص الشعب العراقي في إرادته الحرة في اختيار ممثليه، في ظروف معقدة سياسيا، وفرحة شعبية شعورية، على رغم مقاطعة بعض الأطياف السياسية في العراق.
والسؤال هو: ماذا وراء ذلك، وكيف تكون الحكومة المقبلة، وما هي شروط تأسيس الدستور الجديد، وما هو شكل الفيدرالية، وهل ينطلق العراق من قاعدة المواطنة أو من قاعدة الطائفية والعرقية في حصص الطوائف والأعراق، وكيف يمكن تحقيق القوة الأمنية الوطنية التي تجعل الأمن الوطني في عهدة الجيش والأمن العراقي، وما هي الأسس التي ترتكز عليها مسئوليتهما من خلال التوجيه والتدريب، الى غير ذلك من علامات الاستفهام؟
إننا نخشى أن تبقى قوات الاحتلال طويلا في العراق لتحقيق مهماتها الاستراتيجية، في خططها المرتكزة على مصالحها في المنطقة، لتحويل العراق الى قاعدة عسكرية متقدمة، ومنطلق دبلوماسي واسع، وذلك تحت شرعية رسمية للحكومة العراقية في معاهدة أمنية طويلة الأمد لبقاء هذه القوات بحجة حفظ الأمن الذي يتحدث البعض أنه سيختل عند خروجها سريعا، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أنها لم تحقق أي استقرار أمني منذ دخولها العراق حتى الآن، بل إنها لم تستطع الحفاظ على أمنها الذاتي.
إن الرئيس بوش يعتبر الانتخابات من إنجازاته، ولكننا نتصور أنها انطلقت من إنجازات الشعب العراقي الذي آمن بالحرية في تأكيد إرادته في تقرير مصيره بنفسه، بالإضافة الى الهدف الكبير في تحرير أرضه من الاحتلال الذي هو سر المشكلة، باعتبار أنه دخل العراق لحساب مصالحه الاستراتيجية في المنطقة لا مصالح الشعب العراقي. ولذلك، فإنه يرفض وضع جدول زمني لانسحابه، لأنه قد يخطط لأكثر من عقد في بقائه هناك بطريقة شرعية عراقية قد لا تكون لها في هذا الموقف أية خطة للشرعية.
إننا نريد للشعب العراقي أن يعمل للانفتاح على المستقبل، بالحفاظ على وحدته الوطنية، وأن يواجه كل الذين يقتلون الأبرياء تحت خلفيات طائفية أو ابتزاز مالي أو ما الى ذلك، لأن الذين يتحركون في هذا الاتجاه يسيئون الى حاضر العراق ومستقبله، والى الصورة النقية للشعب كله.
إننا نقول للشعب العراقي: إن التجربة الحقيقية تبدأ من الآن، لتكون الوحدة الداخلية هي الرد على من يدعي بأن الحوادث تؤكد الانقسام وتلغي الوحدة. وعلى المرجعيات الدينية والسياسية أن تسعى لإحباط كل المخططات التي يتحدث أصحابها بالصوت العالي عن الحرب الأهلية التي ستظل مطلب أعداء الشعب العراقي، سواء كانوا من رموز التخلف، أم من بقايا النظام السابق، أم من رموز الاحتلال وجنوده.
أما لبنان الذي يعيش الجدل السياسي في طوائفه في مصالحها الطائفية، وفي شخصياته في مواقعها الذاتية، وفي أحزابه في خططها الفئوية، فإنه قد يكون بحاجة الى تصحيح في مساراته السياسية، والى تركيز قواعد قيمية وأخلاقية في العملية السياسية الداخلية قبل الحديث عن تصحيح العلاقة مع الخارج أو المحيط، لأن هناك في حركة الصراع الداخلي من يوحي بأن اللبنانيين في خط المعارضة هنا وفي خط الموالاة هناك هم من الملائكة الذين يرتفعون الى مستوى طهارة القيمة، وصدق الموقف، في الوقت الذي نعرف فيه أن الكثيرين من الذين يلعنون الشيطان في تصريحاتهم كانوا من أعوانه، ومن الذين ينفذون خططه.
وإذا كان البعض يتحدث عن التدخل الخارجي الضاغط، فإن الشعب يتساءل: لماذا لم تكن للكثيرين من أعوان السلطان الشجاعة في رفض مشاركتهم للفساد والهدر وتنفيذ ما يراد منهم، ولا سيما في جلسات الثقة التي تنطلق من كلمات السر هنا وهناك، بعيدا عن الانسجام مع النقد في المعارضة عندما يتحدثون، والسقوط في إعطاء الثقة عندما يصوتون؟
إن المشكلة هي أن هذه التجمعات لا تنطلق غالبا من قاعدة لبنان المؤسسة، بل بفعل تجارب ينتمي غالبية أفرادها الى لبنان المزرعة أو لبنان الطائفية، وإلا فلماذا لا ينطلق قانون "من أين لك هذا"، ولماذا لا يحاسب الذين دخلوا السياسة فقراء وعاشوا في مواقع الغنى الفاحش؟ هل نقول: إن البعض أيا كان كان يمارس الشراكة بين الداخل والخارج، ما جعل كل فريق يفسد صاحبه ويغطي أوضاعه، وتلك هي مأساة لبنان الذي ضاع في لعبة الشيطان الذي يتحول الى ملاك في الصورة والموقع
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 884 - السبت 05 فبراير 2005م الموافق 25 ذي الحجة 1425هـ