تطرق الشيخ عيسى قاسم في خطبة الجمعة أمس في جامع الإمام الصادق في الدراز إلى الحوار الدستوري بين السلطة والجمعيات الأربع المقاطعة بشكل مقتضب، إذ دعا إلى فتح باب الحوار بينهما للخروج بصيغة توافقية في المسألة الدستورية، فيما أسهب في معالجة الانتخابات العراقية وموقف المرجعية الدينية منها هناك.
ففي الشأن الدستوري، قال قاسم: "ما كان من باب الخطأ والخروج على الحال الدستورية أن بدأ حوار بين السلطة تمثله وزارة العمل والشئون الاجتماعية، وبين الجمعيات الأربع المقاطعة، وما كان الأمر سرا مكتوما، وإنما كان محل التداول الإعلامي المكشوف، وخطأ أن نقول ان حوارا من هذا النوع مضر بوضع البلد والمصلحة الوطنية، أو انه خارج على مقتضى الدستور، ويجب أن يتوقف بعد أن بدأ من باب الغفلة أو ارتكاب الغلط في السابق، ولابد من التدارك والأخذ بالاستغفار".
واعتبر قاسم أن هذا النمط من التفكير الحكومي أمر خاطئ، مؤكدا أن تثبيت مبدأ الحوار هو الصحيح، والتوقف فيه ضرر، وأن الهدف من الحوار هو الوصول إلى صيغة توافقية في مسألة الخلاف الدستوري.
في الشأن العراقي، أكد قاسم أن الانتخابات العراقية على رغم التهديد والوعيد، والإرهاب المدمر على الأرض، والعدوانية الشرسة التي واجهها الدم المسلم يوم الانتخابات في العراق، كان الإقبال فيها فاق توقعات المراقبين، إذ أثبت الشعب العراقي شجاعة فائقة في قبال الإرهاب، وخرج الناس في مواجهة الموت ليعطوا أصواتهم لمن اقتنعوا به، وهذا لابد أن يرجع بحال من اليأس على جبهة الإرهاب.
وأوضح قاسم أن تقديم الأساليب السلمية على أساليب العنف في استرداد الحق ومواجهة الظالم، ورد الغازي ما أمكن، يأتي من منطلق الحسابات الشرعية بلا خلفية من خوف ولا رعب أو بخل بالتضحيات، وإلا لم يخرج المؤمنون للتصويت، وقد تهددهم الموت وعاشوا مشاهده، مبينا أن الشعب العراقي أثبت وعيا قويا في قبال الدعاية التضليلية والتزييف الإعلامي، الذي مارسه عدد من الفضائيات والقنوات الإعلامية الأخرى.
كما لفت قاسم إلى أن خيار الانتخابين أكد أن المؤمنين على إيمان راسخ بالمرجعية الدينية المؤمنة الكفوءة، وهذا الإيمان أو الرشد - بحسب قاسم - لا يرتبطان بخيار المشاركة أو المقاطعة، وإنما يأخذان قيمتهما الدينية ووصفهما العنواني الحق من كونهما مفتوحين على أي خيار تحدده القيادة، مشاركة كان أو مقاطعة، محاربة كان أو مسالمة.
وأشار قاسم إلى أن حوادث الساحة العراقية، ومنها حوادث النجف الأشرف وكربلاء المقدسة، وحدث الانتخابات وإصرار السيد السيستاني عليها، أثبتت رصانة الفكر السياسي لهذه القيادة وكفاءتها وإخلاصها، وسعة صدرها، وطول نفسها، وبعد نظرها، وانفتاحها على مصالح جميع المواطنين، فمنذ الثورة الإسلامية المباركة في إيران وإلى الآن، يقدم الوجود المؤمن - بحسب قاسم - قيادة فذة بعد قيادة فذة، ويقيم البرهان على كفاءة القيادات العلمائية تلو البرهان.
وأضاف "أثبتت تجربة الانتخابات في العراق وخيارها عند الاتجاه المؤمن، أن هذا الاتجاه لا يحتاج إلى من يعلمه الواقعية التي لا تمثل تمردا على المبدئية أو انفصالا عنها أو إضرارا بها، وكيفية التعامل مع الواقع، وإدخاله في المعادلة بما يخدم الفكرة ويوظفه لصالح المبدأ" معتبرا أن الانتخابات العراقية ليست نقلة سياسية خاصة بواقع وتاريخ العراق، وحاضره ومستقبله، وإنما لها انعكاساتها الإيجابية على المنطقة العربية والإسلامية بكاملها.
وشدد قاسم على أن الشعب العراقي لم يخرج في مواجهة الموت ليثبت الوجود الأميركي، فهو ليس بالشعب الذي ينخدع بألاعيب أميركا، ولم تكن انتخابات العراق خيارا أميركيا، إنما كانت بضغط متواصل من المرجعية الدينية، والمؤمنون في العراق لم يخدعهم الإعلام المضلل كل هذه المدة ليخدعهم الإعلام الأميركي، ولن تنقص المؤمنون الشجاعة في مواجهة الطغيان الأميركي إذا أصرت القوات الغازية على الإقامة الطويلة في العراق.
وأكد قاسم صدق الشعارات الوحدوية وشعارات العدل والإنصاف والحفاظ على الأخوة الإسلامية والوطنية التي تطلقها المرجعيات الدينية والسياسية الشيعية في العراق، ولا يمكن أن يكونوا غير ذلك، لوعيهم الديني وبعدهم عن العصبية.
وختم حديثه عن العراق بالقول: "إن الإسلاميين أحرص الناس على مصلحة أوطانهم ورعايتها، من دون أن يطلبوا مصلحة الوطن لتقويض مصالح الآخرين، ولا تعني مصلحة الوطن عندهم مصلحة الحكم والنظام على حساب المستضعفين والمحرومين، ولا أمنهم أمن الحاكم والنظام فحسب".
من جانبه، قال خطيب جامع يوسف بن أحمد كانو الشيخ جلال الشرقي: "إن الله سبحانه وتعالى جعل الليل يخلف النهار، والنهار يخلف الليل لكي يتذكر الإنسان أن هذه الأيام في الدنيا إنما جعلت ليستغلها في عبادة الله، ويزرع دنياه بالحسنات، فما من ساعة تمر علينا، إلا ويحصي الله فيها علينا كل صغيرة وكبيرة، إذ أوكل بنا ملكين يحصيان علينا كل قول وفعل، فالأيام محسوبة بساعاتها ودقائقها، فعلينا أن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، وأن نوزن أعمالنا قبل أن توزن علينا، وأن نستغل عمرنا في الطاعات وفعل الحسنات.
وأوضح الشرقي أن الساعات في اليوم أربعة أقسام، فقسم فيها لمناجاة لله، وقسم فيها لمحاسبة النفس، وقسم فيها للتفكر في صنع الله، وقسم رابع جعله الله لقضاء حوائجنا من طلب لرزق وتوفير لطعام، ولابد أن يكون ثلاثة أثلاث اليوم لله عز وجل، بعكس ما نحن عليه الآن، فبعضنا جعل كل يومه لدنياه، وبعضنا بين ذاك وذاك، ولنا في رسول الله "ص" قدوة حسنة، هو وصحابته الكرام، فكانوا يجعلون كل أيامهم لله تعالى، وضحوا بالغالي والرخيص في سبيل نشر الإسلام والدفاع عن الدين.
ودعا الشرقي إلى استغلال أيامنا في نصرة الدين، وخصوصا في هذا الأيام، التي تكالبت فيها أمم الكفر، وتحرك المنافقون للطعن في هذا الدين وأحكام الشريعة، واصفين الإسلام بأنه دين الرجعية والتخلف تارة، وتارة أخرى بأنه دين الإرهاب، معتبرا أن كل تلك النعوت إنما حيكت من قبل أعداء الإسلام للقضاء على دين الله، وأنى لهم ذلك، فإن الله قد تكفل بحفظه منهم، إلا أنه أكد أن الدين يحتاج إلى رجال يدافعون عنه ويفدونه بدمائهم وأموالهم كما فعل صحابة رسول الله "ص" وآل بيته الكرام، وعندها يكتب الله لنا النصر والتمكين
العدد 883 - الجمعة 04 فبراير 2005م الموافق 24 ذي الحجة 1425هـ