«كن جميلاً ترَ الوجود جميلاً». نصف بيت من الشعر العربي. اختزلته الذاكرة العربية فحفظته وتنقل في أجيالها جيلاً بعد جيل. وبفضله وفضل أبيات أخرى أصبح إيليا أبوماضي عَلَماً من أعلام الشعر العربي المبرزين. فما هو سبب هذا الخلود؟ وكيف تحول هذا البيت من الشعر إلى قافية موشاة تلقى في محفل أو في كل تجمع صغر أو كبر أو مع كل شعور أحس به صاحبه وكأن الحياة تقسو عليه؟
إن حياتنا التي نعيشها محتاجة إلى هذا اللون من الشعر الذي يتحول إلى مَثل سائر. ومن هذا الإنسان الذي يجرؤ على القول إنه سعيد في قمة السعادة؟! لا أخال أحداً قادراً على ذلك، فالحياة هذه التي نحياها تكمن في زواياها وطرقها الكثير من المنغصات التي تجعل الحلو مر المذاق والحياة الآمنة المستقرة عذاباً مقيماً.
وهنا يبرز دور الشاعر وصاحب الذوق اللطيف الذي يستطيع في بيت واحد من الشعر أن يختصر مسافات طويلة وأن يأخذ بيدنا إلى آفاق أرحب طالما أن بيده أن يحيل ليلنا إلى صباح مشرق وحياتنا الآسنة الراكدة إلى حياة تموج بالحركة.
فهو (أي الشاعر) لا يعيش الحياة كما نحياها ويقتبس منها ما يشاء حتى إذا كون له نهجاً واضحاً وطريقة سالكة استطاع أن يكتب ما يجعلنا نتعلق في السماء. الناس يظنون أن في ذلك مبالغة كبيرة وأن الشاعر ما هو إلا فرد كالناس وأنه ليس بمنزلة العالم الذي يستطيع أن يستخرج نظرية عظيمة وأنه أي الشاعر إنسان يهيم في ملكوته من دون أن يدري بما حواليه.
وصحيح أن الشاعر إنسان كبقية الناس صحيح أنه إنسان يهيم في ملكوته، ولكنه ليس الأقل حظاً بينهم وإلا فما معنى تغني الناس بأشعاره وما معنى تلك الإيماءات والإشارات التي يومي بها كل قلب حي إليه ولماذا إذاً تحتفي كل أمه بشاعرها؟! لأنها ببساطة ترى فيه الحياة بتقلباتها
العدد 882 - الخميس 03 فبراير 2005م الموافق 23 ذي الحجة 1425هـ