مساء الخميس الماضي ذهبت إلى قرية الهملة لتغطية فعالية الزواج الجماعي، في عملٍ هو أقرب إلى الهواية منه إلى العمل الرسمي، فهو خروجٌ من رتابة العمل اليومي الذي يستغرق فيه العامل بالصحافة إلى حدّ الغرق، كما انه فرصة للاطلاع على بعض صور الحياة الاجتماعية في أبهج صورها، إذ تجتمع أعدادٌ كبيرة من الناس في وضعٍ احتفالي جميل.
في الهملة اكتشفت ان «اللجنة الثقافية الخيرية» بمسجد العبد الصالح هي التي تنظّم حفل الزواج الجماعي «الأول» بمشاركة ستة عشر شاباً بين خطوبة وزواج، ولما سألت: ألا يوجد صندوق خيري؟ أجابني أحد شباب القرية: بلى، ولكن هناك خلافات بين أبناء القرية، نتج عنها قيام اللجنة بتنظيم مثل هذا الزواج.
الإجابة أشعرتني بوجود وضعٍ غير طبيعي، وما عزّز شعوري ما قرأته بعد أيامٍ فقط عن تنظيم صندوق الهملة الخيري الزواج الجماعي «الثالث عشر»، بمشاركة أربعة عرسان. وفي ذلك دلالة مؤكدة على وجود الوضع غير الطبيعي، وكيف تنعكس الخلافات الصغيرة على الأداء العام للعمل الخيري في هذه المنطقة أو تلك.
قبل أن أغادر الهملة في ذلك المساء، تكلّمت مع أحد شباب القرية المثقفين، من المتصدّين للحفل «الأول»، وقلت له: «في بداية صدور «الوسط»، حدثت مشكلة بسبب نشر إحدى الكاتبات تحقيقاً عن قريتكم، وأتذكر اعتراض البعض على ما نُشِر»، فقال: «نعم، أتذكر ذلك، وما جاء في التحقيق صحيح، لأنه يعبّر عما تعانيه القرية من مشكلات بصورة دقيقة». وبصورة مباغتة قلت له: «إن لي أمنيتين»! ففتح عينيه أكثر وانتظر التوضيح، فقلت: «لقد زرت قريتكم ليلاً، وأتمنى أن أزورها في النهار لأرى الوضع بعيني». وانتظر أن يسمع مني الأمنية الثانية فقلت: «أتمنى أن أزوركم العام المقبل وأنتم جميعاً مشتركون في زواج جماعي موحّد، يجمع القلوب على الخير والبر والتعاون على العمل الصالح الذي سيصبّ في خدمة الجميع».
غادرت الهملة تلك الليلة، ولكن كم وددت لو أعرف من أهلها من يكون «العبد الصالح» الذي أقاموا المسجد تخليداً لذكره. ربما يكون عالم دين تقياً، أو محسناً كبيراً، أو رجلاً أحبه الناس لحسن سيرته وإصلاحه بين الناس، ووددت لو تساءلوا بينهم وبين أنفسهم: ماذا لو بُعث «العبد الصالح» مرةً أخرى، هل سيرضى لهم أن يتزوج أربعة من أبنائهم في الصندوق الخيري وثمانية في المسجد الذي أقاموه لتخليد ذكراه؟
وأود أن أضيف: «لا تنتظروا الجيل القديم أن يتغلب على المشكلات والعقد التي تربى عليها، فالأمل فيكم أنتم جيل الشباب بأن تترفعوا على الصغائر وتبادروا إلى توحيد الجهود الخيّرة، فهذه مسئوليتكم أنتم بما تملكون من ثقافة وروح متوثبة وحبّ للعمل والعطاء»
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 882 - الخميس 03 فبراير 2005م الموافق 23 ذي الحجة 1425هـ