العدد 882 - الخميس 03 فبراير 2005م الموافق 23 ذي الحجة 1425هـ

ملامح دولية تختفي وراء الانتخابات في المنطقة

محمدحسين فضل الله:

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

دعا آية الله محمدحسين فضل الله، إلى تحرير الناخب من كل المؤثرات السلبية وتأصيل إرادته من خلال اختيار الخطوط الأصيلة للبلد في العملية الانتخابية لنصل إلى بلد يحميه ويرعاه المخلصون الذين يملكون إسقاط حكومة أو إسقاط مشروع. وحذّر من السعي الأميركي لتطويع مسألة الانتخابات في المنطقة لحساب مصالحها من خلال تقديم الشخصيات التي تدعم الاحتلال، مشيراً إلى وجود خطط دولية تختفي وراء الكثير من العمليات الانتخابية.

جاء ذلك رداً على سؤال في ندوته الأسبوعية عن حمّى الانتخابات في المنطقة والموقف الإسلامي منها، إذ أجاب قائلاً: «لم يضع الإسلام القيود على الناس لكي يمنعهم من المشاركة في أيّة عملية سياسية أو انتخابية يتم على أساسها تحديد الأفق الذي يُرسم لمصالحهم العامة أو الخاصة، ولذلك أراد الإسلام للناس أن ينظّموا أمورهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما إلى ذلك، على أساسٍ من العدل والحرية المسئولة وفي نطاق تطورهم وتطوّر أساليب الحكم والإدارة، ومن خلال مراعاة العناوين الشرعية، وعلى أساس من الشورى والمراجعة وتدارس الأولويات التي تحفظ للأمة توازنها وتقودها إلى سلوك الطريق القويم نحو المستقبل».

وتابع: «ولذلك ترك الإسلام للأمة الحرية في أن تعمل على صناعة مستقبلها بين الأمم من خلال المرونة التي تواكب فيها المستجدات في العملية السياسية والاقتصادية، ومن خلال ما تطلّ عليه حركة الاجتهاد وتتبعها لكل المستحدثات، وتوجهت النصوص الشرعية للأمة لتؤكد دورها الفاعل في عملية اختيار الحاكم ومن يمثلها في السلطة ولتصويب الأداء، وركّز الإسلام على وجوب المراقبة الدائمة للحاكم ولممثلي الشعب قبل الانتخاب وبعده، وملاحظة مدى انسجام سلوكهم ومواقفهم مع شعاراتهم وبياناتهم الانتخابية ومع ما تقتضيه قضايا الأمة في الجانب الاستراتيجي والمصيري».

وأضاف «من هنا تبرز مسئولية الناخب وخطورة الدور الذي يؤديه بعكس ما قد يتصور البعض من أن صوته لا يؤثر في مجمل السياسة سلباً أو إيجاباً، لأن هذا الصوت الذي ينضم إلى الأصوات الأخرى سيقرّر مصير البلد من خلال الأشخاص الذين يقدمهم إلى مواقع المسئولية بعد تزكيتهم... وثمّة مشكلة كبيرة تكتنف ما يطلق عليه البعض تسمية العملية الديمقراطية في الانتخاب، تنطلق من أن الكثير من الناخبين لا يملكون ثقافة القضايا الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تقرر مصير بلدهم، ولذلك قد يستغرقون بالشخص في عملية الانتخاب والاختيار أكثر مما يستغرقون بقضايا أمتهم ووطنهم، ومن هنا يسهل على الجهات الخارجية أو الداخلية الطامحة والطامعة أن تزوّر ذهنية الناخب باستخدام المؤثرات الغرائزية والأساليب العاطفية التي تجعل الناخب ينجذب لها بعيداً عن التصور الفعلي لحقيقة الأمور. وهكذا نجد أن بعض البلدان يساهم فيها المال الانتخابي مساهمة كبيرة في عملية الاختيار عندما يستغل الذين يملكون المال حاجة الناس، فتبدأ عملية شراء الأصوات بحسب طبيعة السوق وعلى أساس المزايدة المالية أو السياسية والإعلامية، الأمر الذي يجعل من مسألة الانتخاب مشكلة للبلد بدلاً من أن تكون حلاً لمشكلاته. ونحن في هذا الإطار نحذّر من أن بعض الأنظمة في الواقع العربي والإسلامي تحاول أن تلعب اللعبة المخابراتية أو الحزبية لتفرض على الناخب وضعاً معيناً ينساق إليه من خلال المناخ الأمني الضاغط، لا من خلال الحرية المسئولة التي تقوده لاختيار هذا أو ذاك، كما أن الكثير من هذه الأنظمة تعمل على تثقيف الناخب بأن الانتخابات لعبة وليست مسئولية، لكي يتسنى لها إدارة العملية الانتخابية بمجملها وفق الخطة التي رسمتها لحسابها أو لحساب أكثر من محور دولي وإقليمي، وهنا تكمن مسئولية الناخب والشعب، لأن الله سيحاسب كل الذين قصّروا في واجباتهم في الاختيار لمصلحة الأمة أو ساهموا في تقييد حركتها لمصلحة الأعداء انطلاقاً من قوله تعالى: «وقفوهم إنهم مسئولون» (الصافات: ).

وأردف قائلاً: «وثمة مشكلة أخرى لابد من الالتفات إليها، تتمثّل في دخول الأحزاب في لعبة السوق الانتخابية، إذ لم تنطلق في كثير من نماذجها من قاعدة واسعة في الخطوط الوطنية العامة على مستوى حركة القيمة، بل إن الأحزاب في الغالب الأعم تحسب حساب التوازنات الداخلية في ما هي مصلحتها التنظيمية، بعيداً عن المسألة الثقافية والرسالية والإنسانية، ولذلك رأينا أن الذين يمثلون الكفاءة في الأحزاب العلمانية أو المسيحية أو الإسلامية غالباً ما يتم إبعادهم وإزاحتهم من الطريق، لأن المسألة تكمن في إبراز أو تقديم الأقرب للجهات النافذة».

وخلص إلى القول: «إننا بحاجة إلى تحرير الناخب من كل هذه المؤثرات السلبية وتأصيل إرادته من خلال اختيار الخطوط الأصيلة للبلد باختيار الأشخاص الذين يعيشون المسئولية العامة والخاصة على المستويات كافة، لنصل إلى بلدٍ يحميه ويرعاه المخلصون الذين يملكون إسقاط حكومة أو إسقاط مشروع أو محاسبة هذا المسئول أو ذاك، بدلاً من أن نقدّم للأمة في هذه العملية الانتخابية أو تلك أشخاصاً تتلخّص وظيفتهم في التصويت على المشروعات التي تفرضها المحاور الدولية والإقليمية على حساب مصلحة الأمة والوطن. فعلينا أن نلتفت إلى ما تخططه أميركا في المنطقة في مسألة الانتخابات، وفي حديث رئيسها عن سعيه لإسقاط وإنهاء الطغيان في العالم، لأن ما تعمل له الاستخبارات المركزية هو تطويع هذه الانتخابات وتلك بطريقة أمنية مباشرة أو غير مباشرة لتقدم الشخصيات التي تدعم الاحتلال أو تشكل دعامة غير مرئية للمشروع الأميركي. فعلينا أن نتنبّه لهؤلاء وإلى أن أميركا بوش لم تنطلق من أجل إصلاح العالم، لأن الإصلاح يمثّل رسالة إنسانية ترفع مستوى الشعوب، وأميركا تعمل لقيادة العالم ليكون تابعاً إليها، لا شريكاً لها في حوار عن مستقبل العالم وكيف نصل إلى مستقبل أرقى للبشرية كلها. إن علينا أن نكون حذرين حيال الخطط التي قد تختفي وراء العمليات الانتخابية هنا وهناك، فثمة ملامح دولية تختفي وراء الكثير منها، ولكن علينا في الوقت نفسه أن نحسن التعامل مع الواقع بما يجعلنا نؤثر فيه لحساب قضايانا ولا نتأثر به على حسابها»

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 882 - الخميس 03 فبراير 2005م الموافق 23 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً