من أكثر الحواس التي يحتاج إليها جملة كبيرة من المديرين "أي مديرين وكل المديرين تقريبا" هو أن تتطور عندهم حاسة مهمة تعرف في العرف الاجتماعي أو الشعبي العام بـ "التطنيش". .. فجملة منهم بل غالبيتهم يمارسها بحرفنة عالية، فهي الطريقة المفيدة والمجدية والسريعة لتسيير الأمور في العمل... ولنصطلح عليه العمل لا أكثر... ولربما يحتاج أخونا المدير إذا لم يكن ذا كفاءة عالية في هذا المجال من المديرية إلى الاتجاه إلى الدورات التخصصية التي يمكنه أن يأخذها ويتعلمها من اللي أكبر منه في مجال "المديرية"! فمن خلال جلسة واحدة مع هؤلاء المديرين يستطيع أن يتعلم تقنيات عالية جدا في فن الإصغاء... وهو ليس الإصغاء الذي نمارسه أنا وأنت... بل هو فن آخر للإصغاء إلى من تريد و"تطنيش" من لا تريد!! وهذه حاسة متقدمة ومتطورة جدا تستطيع أن تستشفها عند المخضرمين فقط... وإذا لم تكن هذه الحاسة شغالة فلن يصلوا إلى هذه الدرجة من "المديرية" المخضرمة!
في تاريخ العالم... وعلاقة المدير بموظفيه هي علاقة تحكمها المصالح باختلاف درجاتها وبتغير موازينها لصالح المدير رغما عن الكل... فترى المدير "الشريف منهم" الذي يتفنن في "استغلال" الموظف المسكين في كل شيء ابتداء من توصيل أولاده وبناته إلى المدرسة ومرورا بقضاء حاجيات زوجة السيد المدير التي لا تتردد في الاتصال به "الموظف" مباشرة وإعطائه الاوامر والتعليمات من غير أحم ولا دستور... وكل هذا علشان بس يرضى السيد المدير ويتذكره في زيادة آخر الشهر أو آخر السنة أو آخر العمر لا أعلم! ولكن أن تكون ذا مبادئ وقيم وترفض أو أنك لا تنصاع إلى تلك الأمور الشخصية ذات الطابع الخدماتي فستكون لست بالموظف الكفوء بل الموظف الموصوف بالكسل وكثير التذمر!
ومن الفنون الأخرى التي يجب أن يتعلمها المدير حتى يصبح مديرا حقيقيا في نظر أقرانه هو أن يكبر الصغير... ويصغر الكبير... أو بمعنى أوضح... ما تراه أنت مهما جدا تراه عنده من التوافه وما تراه أنت عاديا يراه هو أهم من حياتك حتى! ويجب أن يكون متقلب المزاج... إن ضحك فيجب عليك أن تضحك... إن اكتفى بالابتسامة فيجب عليك ألا تتعدى الابتسامة وإن تمسخر وتقشمر معك... فهنا هي لعبتك... بادله الشعورنفسه! ففي جميع الحالات يجب عليك أن تتقلب معه... وكل هذا في سبيل أن تحصل على رضاه وما سواه فإنك شخص بليد لا تستطيع أن تستوعب بأن هذا "المدير" هو شخص متواضع جدا وبسيط! ياااه... نسيت أن أعلمكم بأن تدعوا الله ليل نهار بألا يسخر لكم موظفا شغله الشاغل هو التمجيد طول اليوم... والتعظيم... ليبلى السيد مديركم بمرض نرجسي تبتلشون به وهذا المرض لا علاج له إلا أن تصبحوا مثله "الموظف"!
من جهة أخرى... أستطيع أن أشبه لكم السيد المدير بذاك الفرد الذي يلعب على الحبلين أو هو يتخيل لي أنه العازف الذي يعزف مقطوعة موسيقية جميلة من خلال اللعب على الأوتار حتى تظهر المقطوعة جميلة مهما تقطعت الأوتار أو قسى عليها أو أتعبها من العزف لا يهم... فالمهم هي فائدته في النهاية من جني ثمار هذه المعزوفة.
أملي أن يكتب من يودون الكتابة في المستقبل عن تاريخ علاقة الموظف بمديره وكيف تطورت... لا كيف انحدرت... لتطفو على السطح نماذج سيئة لا أود أن أذكر منها أمثلة فهي تتعبني نفسيا!
إضاءة
شهر محرم على الأبواب... وهي الفرصة المناسبة والمناسبة جدا لاكتشاف الطاقات على جميع المستويات الإبداعية في جميع المجالات من صوت وصورة... هلا فتح المهتمون إلى هذه الطاقات وبحبح أصحاب الفلوس فلوسهم "المخشوشة" في تطويرها وإظهارها بالشكل الذي يشرفنا... وإلا ما رأيكم؟
إقرأ أيضا لـ "حمد الغائب"العدد 880 - الثلثاء 01 فبراير 2005م الموافق 21 ذي الحجة 1425هـ