الذي زاد الطائفية في العراق وعمل على ترسيخها هم الانجليز، فلذلك ينبغي أن نحذر من ذلك ودعونا نقرأ التاريخ. فتحت عنوان: "موقف الانجليز من الشيعة" يقول المفكر الكويتي عبدالله النفيسي في كتابه القيم "دور الشيعة في تطور العراق السياسي الحديث" ص 199: "كانت السياسة البريطانية في العراق منذ البدء، ولاسيما بعد ضرب الحصار على النجف سنة 1918 وقصفها بالهاون تقوم على اقصاء جميع الشيعة من المناصب الرفيعة المسئولة ولم يكن بعض الموظفين البريطانيين متجردين من الانحياز والتعصب ضد الشيعة فقد كتبت سكرتيرة المندوب البريطاني السامي الآنسة غرترودبل، بمناسبة احتجاج الشيعة على أنهم ليسوا ممثلين تمثيلا عادلا في مجلس الدولة، تقول: أما أنا شخصيا، فأبتهج وافرح أن أرى هؤلاء الشيعة الأغراب يقعون في مأزق حرج، فانهم من اصعب الناس مراسا "أي فهما في السياسة وفي قواعدها" وعنادا في البلاد"، ويعلق النفيسي على ذلك في ص200 تعليقا يعكس مدى صدقية البحث، المجال لا يسع إلى ذكرها. فيقول: "وبصورة عامة أرى ان السياسة التي اتبعها الانجليزي كوكس في اقصاء الشيعة عن الحكم في العراق لم تكن سياسة حكيمة. وكان يرى - والكلام للنفيسي - شخصيا ان وزيرا شيعيا واحدا من اصل تسعة وزراء لم يكن ليرضي الشيعة" وفي تعليق النفيسي على موقف الشيعة من الشريف فيصل، يقول: يرون فيه انه كان "موضع آمال العرب ولكنه كان رجلا افسدته علاقته مع البريطانيين وارتباطه بهم ولو ان الشيعة أعطت قسطا اوفر من المشاركة في حكومة فيصل لكان في الامكان تجنب كثير من الاختبارات المرة، وكثير من الاضطرابات الدامية".
بعد ذلك يذكر النفيسي ان زعماء الشيعة في النجف "كانوا ينظرون إلى مجلس الدولة المؤقت نظرة ريبة وتخلف" ثم يقول النفيسي في ص167 "الواقع انه لم يكن متوافرا في صفوف الشيعة سوى اشخاص قلائل مؤهلين لتسلم مناصب حكومية رفيعة" ويعزو السبب في ذلك إلى عدة أمور منها "ان الشيعة كانوا دوما يقاطعون الاشتراك في الحكومة التركية "أيام حكم العثمانيين للعراق والمنطقة، ويمتنعون عن ارسال اولادهم إلى المدارس التركية المهنية. والسبب الآخر هو ان الاتراك الرسميين انفسهم - وهنا مربط الفرس - لم يشجعوا الشيعة على الدخول في الخدمة المدنية وفي سلك التعليم" ويرى النفيسي ان كوكس عمل على اقصاء الشيعة من غالبية المجلس.
كما ان النفيسي تطرق إلى اسباب أخرى ليس من المناسب ذكرها الآن فأرجو الرجوع إلى الكتاب ذاته لأخذ العبر من التاريخ. يقول النفيسي: تشكل مجلس الدولة على النحو الآتي:
رئيس المجلس هو سمو نقيب بغداد، وزير الداخلية هو السيد طالب باشا اما وزير المال فهو ساسون افندي ووزير العدل هو مصطفى افندي ووزير الدفاع جعفر باشا العسكري ووزير الاشغال العامة عزت باشا ووزير التربية والصحة هو السيدمحمد الطباطبائي ووزير التجارة عبداللطيف منديل ووزير الاوقاف هو محمد علي افندي.
المهم الانجليز عملوا على زرع الفتنة الطائفية، ولذلك وجدنا إلى أين وصلت سلسلة الآلام في العراق وهكذا حتى عهد صدام واستمرت حياة العراقيين شقاء وقهرا. واليوم نحن أمام منعطف كبير وهذا هو التاريخ بين أيدينا، فالعراق لا يمكن أن يستقر إلا بمبدأ تكافؤ الفرص بين العراقيين ونبذ التوزيع الطائفي والعراق لا يمكن ان يستمر إلا بالشراكة السياسية بين كل الأطياف ويجب ان تمثل الحكومة المرتقبة الجميع وهذا ما دعا إليه السيد السيستاني والسيد الحكيم عبر قائمة الائتلاف العراقية... دعوا الاكراد يحكمون بينكم ففيهم الخيرون ودعوا كل الطوائف من سنة وشيعة وتركمان واكراد ويجب ألا نكرر خطأ التاريخ من اقصاء طرف على حساب طرف... علموا العالم العربي والخليج وكل العالم ان الطائفية لا تخدم بلدا وانما تزرع الحقد في القلوب، اعطوا ايها العراقيون نموذجا للجميع بأن لغة العرق ولغة الطائفية هي لغة الضعفاء والوطن لا يستقر إلا بمبدأ تكافؤ الفرص ففي كل طائفة وفي كل مجموعة وفي كل عرق وفي كل شعب اناس خيرون واناس سيئون فلنفرق في ذلك.
التمييز يقتل الابداع، يبدد الطموح. لا تكرروا تجربة التشيع الصفوي والتسنن العثماني التي طالما حذر منها المفكر علي شريعتي. لا تكونوا إقصائيين فالتكفيريون لا يمكن قطع الطريق عليهم الا بالوحدة الاسلامية بالوحدة التي تعزز بالصدقية وليس بالمجاملات. بالأمس كان لي اتصال مع أحد الاخوان من عائلة الحكيم فكان مسرورا ويقول ان العراقيين سروا لموقف البحرين ولتهنئة جلالة الملك لرئيس العراق الياور بالانتخابات. البحرين دائما حكومة وشعبا في توافق لما فيه مصلحة البلدين والحمد لله الانتخابات أثبتت جرأة وشجاعة شعب العراق العظيم ففي يوم الانتخاب ذهب إلى مواقع الاقتراع أكثر من 8 ملايين استشهادي ليصوتوا للعراق غير عابئين بما سيحدث... فهنيئا لهم هذا العرس
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 880 - الثلثاء 01 فبراير 2005م الموافق 21 ذي الحجة 1425هـ