مع عودة الشخصيات القيادية من "دافوس" إلى بلدانها المختلفة سيطرح السؤال الآتي فيما بينهم: أين الأفعال التي ستجعل من العام 2005 "عام التغيير"، كما أعلن ذلك منتدى الاقتصاد العالمي في دورته السنوية التي عقدت بين 26 إلى 30 يناير/ كانون الثاني؟ شارك من البحرين أكثر من عشر شخصيات قيادية على المستويين السياسي والاقتصادي، والمشاركون يحضرون إلى المنتدى بناء على دعوات خاصة، لأن الحضور ليس مفتوحا للجميع. المشاركون البحرينيون حضروا ورش عمل وندوات ونقاشات واستمعوا إلى شخصيات عالمية مؤثرة على الاقتصاد العالمي والسياسة العالمية، ومن بين الورش التي حضروها جلسات خصصت لتوضيح الرؤية الاستراتيجية للعالم العربي في العام 2020 والعلاقة بين الدين والسياسة، ودور القطاع الخاص وإصلاح القطاع العام، والانتخابات العراقية وأثرها على المنطقة، والوضع الفلسطيني... إلخ.
أحد الحضور قال إن الحوارات كانت نوعية، ولكن يبدو في بعض الأحيان أنها "حوار الأموات" وليس فقط "حوار الطرشان". فبعض المسئولين من الدول العربية يتحدث عن الإصلاح وأهميته وكيف يجب أن يكون ولكن في الوقت ذاته يدافع بشراسة عن الوضع في بلاده.
بمعنى آخر، إن هذا الشخص المسئول مبدع في الأفكار ومقدام إذا كان الحديث يتعلق بشأن عام أو عن قضية خارج بلاده، وما أن يتحول الحوار إلى بلاده "وهو أحد المسئولين عنها" وإذا به يتحول إلى المدافع عن الماضي البائس والمبرر لاستمراره في الوقت الحاضر والمطالب بالتأني والانتظار وعدم تعجيل الأمور فيما يخص بلاده. وبهذا فإن الحوار لا يكون حيويا لأنه لا يتعلق بقضايا تلمس مسئوليات المتحدث وهو أشبه بحديث "أموات" ليس لهم علاقة بالواقع.
في ورشة الإصلاح في الشرق الأوسط برزت الحاجة الملحة إلى إعادة صوغ مناهج التعليم... هذه المناهج التي تشبعت بطروحات قومية خيالية أو بطروحات دينية متطرفة تكفر كل ما لا يتفق مع ما يكتبه الذين تسلموا مهمة كتابة مناهج الدراسة.
موضوع آخر... العالم العربي بحاجة إلى إيجاد 80 مليون وظيفة إذا كانوا سيبقون على وضعهم المتخلف الحالي، وهم بحاجة إلى إيجاد أكثر من مئة مليون وظيفة خلال السنوات العشر المقبلة إذا كانوا يودون إنقاذ أنفسهم من ثورات وانتفاضات واضطرابات تقرع أبوابهم حاليا وباستمرار. وهذا يتطلب نموا ما بين 5 إلى 10 في المئة، وهذا يشترط القضاء على الفساد المالي والإداري الذي يعشعش في العالم العربي ويرفض أن يتزحزح، على رغم أن معظم بلدان العالم بما في ذلك دول إفريقية كانت فقيرة جدا، بدأت تخطو نحو اقتصاد نظيف وإدارة نظيفة.
موضوع آخر تطرق إليه المتحاورون وهو حكم القانون، فما لدينا هو مخلفات قوانين أنتجتها مصر عندما كانت في عز "اشتراكيتها" في مطلع الخمسينات من القرن الماضي، وهي موجودة في معظم الدول العربية تجمعها قوانين كتبت لذلك الزمان، وهي لم تكن صالحة حتى لذلك الزمان، فكيف للقرن الحادي والعشرين؟ كما أن حكم القانون لا يسري على المتنفذين بأي حال من الأحوال، وهذا أمر يشهده الناس في جميع الدول العربية.
وهذا يعني أن الإصلاح المؤسسي أصبح من أهم المطالب لإنقاذ منطقتنا مما سيلحق بها من مصائب ستكبر في السنوات المقبلة... والخيار بيد المسئولين لأن يبادروا في "الأفعال" لكي يعودوا إلى "دافوس" العام المقبل ويثبتوا أن العام 2005 هو "عام التغيير" في العالم العربي كما هو في بقية أنحاء العالم
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 880 - الثلثاء 01 فبراير 2005م الموافق 21 ذي الحجة 1425هـ