العدد 878 - الأحد 30 يناير 2005م الموافق 19 ذي الحجة 1425هـ

الشعب العراقي وحق تقرير المصير

"ليس للعراقيين إلا الموت الأحمر"

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ألا تحبون أن يخرج العراقيون من هذا المستنقع الدامي؟ هل كتب على هذا الشعب ألا يخرج من مذبحة إلا ليدخل في مذبحة أخرى؟ ولا يغادر عصر المقابر الجماعية إلا إلى مقابر جماعية أخرى؟ هل كتب عليه أن يجري السيف على رقابه إلى الأبد: تارة باسم ملكية الأشراف من أبناء الشريف حسين، وتارة باسم جمهورية صدام البعثية، وتارة باسم الاحتلال الأميركي البريطاني، وتارة باسم مقاومة الاحتلال التي تقتل جنديا أميركيا وتحصد معه مئة عراقي بريء؟ ألا يستحق هذا الشعب أن يترك ليختار لنفسه بنفسه ما يشاء، بعيدا عن وصايتنا الأفلاطونية ونظرياتنا العروبية و"عنترياتنا التي ما قتلت ذبابة" على حد تعبير الشاعر الدمشقي نزار قباني؟ ثم ألا يخجل من أضاعوا فلسطين منذ سبعة وخمسين عاما حتى أسلموها كالمسبية إلى "الصديق الجديد والجار الحبيب" أرييل شارون، أن يتحدثوا اليوم عن التحرير والاحتلال ومقاومة المحتل؟ ألم يكف ما عاناه هذا الشعب طوال عقود من الظلم والاضطهاد على أيدي حكام برابرة، حتى ننصب أنفسنا أوصياء عليه، ونسلبه حقه الطبيعي في الاختيار و"تقرير المصير"؟ وإذا كان قد ارتضت نسبة كبيرة من أبنائه الانتخابات، خيارا للخروج من عنق الزجاجة الدامية، فهل نصنع من أنفسنا مرشدين ومتنبئين لهذا الشعب، ونستبق الحوادث بالدعوة إلى "ضرورة رفض هذه الانتخابات وضرورة عدم الاعتراف بنتائجها من منطلق عدم شرعيتها"؟ وإذا كنا نرفض تدخل الآخرين في شئوننا، فلماذا لا نعامل الآخرين بالمثل؟ لماذا نطبق هذا المبدأ بانتقائية عوراء، فنرفض تدخل حتى أقرب الأشقاء إلينا "الكويتيين" في التعبير عن وجهة نظرهم بما يدور في بلدنا ونصفهم بـ "الأجانب"، بينما نبيح لأنفسنا التدخل في شئون العراقيين الذين أصبحوا بين ليلة وضحاها "أشقاء من الدرجة الأولى"، ونعلن رفضنا المسبق الانتخابات وما سيسفر عنها من نتائج؟ أم انها محاولة لجرجرة الأمور في كل مكان نحو المواجهة والتصعيد وتمهيد الأرضية لانتهاك الحرمات وتعميم الثقافة التي تستبيح سفك الدماء في هذا الوطن أو ذاك؟ كم كنت حزينا حين قرأت بيانا في زاوية صغيرة من صحيفة الأمس، عن رفض ثلاث جمعيات سياسية بحرينية الانتخابات العراقية في ظل الاحتلال، انطلاقا من "المسئولية القومية والوطنية"، وبدعوى رفض قطاعات واسعة من الشعب العراقي بمختلف توجهاته السياسية والمذهبية والقومية. كأن هذا الشعب الذي لا يجارى في عروبته وقوميته وإسلاميته، يحتاج إلى جمعياتنا السياسية الفتية لتذكيره بالثوابت القومية والعربية والاسلامية التي نخشى أن يخرج عليها بقبول "لعبة التصويت" فيدخل النار وبئس القرار!

لهجة متعالية جدا، كأن هذا البلد الذي قامت على ضفافه حضارات بابل وآشور وأور، بحاجة إلى وصاية من دويلات النفط، التي أسماها الريس بـ "واحات النفط". وكأن هذا البلد العريق الذي نقش أول قوانين على ألواح الطين، ودون أول دستور مكتوب في تاريخ الدنيا وعلقه على أبواب مدائنه العامرة، بحاجة إلى توجيهات سامية من لدنا! وكأن الشعب الذي أقام حدائق بابل المعلقة، لتسجل في عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، يفتقر إلى من يعلمه أسس الحضارة وطرق التمدن ويعطيه شهادات حسن السيرة والسلوك؟

قليلا من التواضع أيها السادة، ورحم الله امرءا عرف قدر نفسه، فلا تنسوا أننا نعيش في منطقة لا يمتد تاريخ أكثر دولها إلى أكثر من ثمانين عاما. فاتركوا العراقيين يدافعوا أقدارهم بأيديهم وبما يملكون من حكمة متراكمة وتاريخ عريق وسياسة أحسنوا حفظ تعاليمها جيدا بفضل ما عانوه من الحكام البرابرة عبر القرون. فهل يلام العراقيون عندما يتشبثون بصناديق الاقتراع رغم التهديدات بالقتل، عندما يخيرون بين الحياة تحت ظل حاكم بربري، أو الموت الأحمر، حيث يقضون أشلاء تحت أنقاض السيارات المفخخة. دعوهم يقررون مصيرهم أيها المحترمون

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 878 - الأحد 30 يناير 2005م الموافق 19 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً