انتهى يوم الانتخابات إلى خير ويتمنى ان ينتهي إلى سلام أهلي عراقي للتفرغ مجددا نحو مقاومة الاحتلال. فالانتخابات كمشكلة انتهت وبات على القوى السياسية الواعية تجاوز اشكالاتها التنظيمية والمبدئية والبحث عن مخارج مشتركة تعيد تأسيس الدولة المقوضة وفق قواعد اجتماعية وضوابط دستورية تضمن مستقبل بلاد الرافدين وتحاصر كل نزعات الانقسام والتفكيك.
يوم الانتخابات انتهى أمس وستعلن النتائج بعد عشرة أيام. وبغض النظر عن نسب توزيع المقاعد تفرض الظروف الاستثنائية الاخذ في الاعتبار كل وجهات النظر حتى تلك التي قاطعت عن قناعة سياسية أو تلك التي اكرهت على المقاطعة. فالعراق في حاله الراهنة لا يتحمل الفئوية والكيدية لأن مثل هذه النزعات ستولد انقسامات سياسية ليست بعيدة عن التركيب الطائفي والمذهبي والمناطقي والعشائري الذي تتألف منه البلاد. العراق بحاجة فعلا إلى سلام داخلي بعد أن تعب أهله من شدة الاستبداد وكثرة الحروب والحصار الطويل وأخيرا إسقاط النظام بقوة استوردت من الخارج وما نجم عنه من وفوضى شاملة.
العراق الآن بحاجة إلى راحة بشرط الاتفاق الوطني على ترحيل الاحتلال. فالراحة لا تستقيم من دون طرد المحتل. وهذا لا يتم من دون توافق على مبادئ عامة ودستور موحد لا يميز بين الطوائف والمذاهب والاقوام. الثأر في هذا المجال ليس سياسة حكيمة كذلك ليس من الحكمة التصرف وكأن العراق لم يشهد تحولات خطيرة منذ إعلان الحرب عليه واحتلاله وتقويض دولته. وبين الثأر واشاحة النظر عن التحولات هناك الأهم والاعمق وهو التفكير بمصير الوطن وبناء دولة عادلة.
بعد إعلان نتائج التصويت وتحديد نسب المقاعد سيؤخذ بها لانتخاب رئيس المجلس التشريعي "البرلمان" وثم رئيس الدولة ونائبه ورئيس الحكومة ونائبه، وسيتم اختيار أعضاء الحكومة وفق صيغة توافقية تضمن الحصص للجميع ولا تحرم فئة من حقها في التمثيل. بعدها يبدأ تحديد المبدأ العام "طرد الاحتلال" وعدم الاخلال بافضلية وجود هيئة وزارية متجانسة ومتوافقة على خطة عمل وبرامج تنموية وخدماتية.
بعدها يتوقع ان يبدأ المجلس الوطني مناقشة بنود مسودة دستور العراق الجديد خلال فترة ستة شهور ليطرح بعد ذلك على التصويت "الاستفتاء" لنيل موافقة الشعب العراقي. ثم تبدأ خطوات جديدة منها دعوة العراقيين مجددا إلى انتخابات تشريعية "برلمانية" لتثبيت دعائم الاستقلال والحرية والسيادة.
هذه الخطوات حتى الآن نظرية ويرجح ان تستكمل خلال السنة الجارية. والخوف من عدم حصولها هو احتمال لجوء الاحتلال إلى وضع العراقيل امامها من خلال اثارة الانقسامات وتشجيع أطياف البلاد على تعميق التشرذم وفتح الابواب والطرق أمام تلك المجموعات الغامضة والمجهولة العنوان والهوية لزرع الفتن واستغلال المشكلات الطائفية والمذهبية. فالخطر على العراق كان ولايزال الاحتلال فهو مصدر الشر وهو صاحب مصلحة في تعميم الفوضى الأمنية ودفع القوى المحلية نحو الفتنة لتبرير وجوده العسكري والتذرع بالخصومات الأهلية لتأجيل الانسحاب. وهذا ما ردده وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر "جمهوري متشدد" وأيضا وزير الخارجية الاميركي السابق جورج شولتز "جمهوري خدم في عهد رونالد ريغان". فالثنائي كيسنجر - شولتز نصح الرئيس جورج بوش بعدم الانسحاب حتى لا تندلع الحرب الأهلية "الفتنة الطائفية" بين العراقيين. ومثل هذه النصائح المسمومة مفهومة العواقب والغايات فهي تحتج بالفوضى حتى يستمر الاحتلال وتبقى القوات الأميركية مسيطرة على بلاد الرافدين تنهب خيراته وتستنزف ثرواته.
هناك تحديات كثيرة تنتظر العراق ولاشك في أن تجربة الانتخابات الأولى شابها الكثير من السلبيات والسوء في التنظيم وطغت عليها عقليات التحدي والمكابرة الا انها في النهاية كانت ناجحة في المعايير الواقعية. فعلى رغم ما حصل ويحصل استطاعت نسبة عالية من المسجلين "بلغ عددهم 13 مليونا" الوصول إلى صناديق الاقتراع، وهذه علامة جيدة في بلد لايزال يعيش تحت انقاض الحروب والاحتلال.
الانتخابات انتهت الآن ولابد من الاستفادة منها لإعادة إنتاج هياكل دولة من علاقات اجتماعية تنتمي إلى مرحلة ما قبل الدولة. وهذه خطوة ناقصة كان لابد منها وهي أفضل من أن لا تحصل نهائيا. والأمل ان تستكمل هذه الخطوة الناقصة والا ستكون الانتخابات مناسبة لتوليد انقسامات أهلية في وقت تنتظر الشعوب العربية خروج العراق موحدا من تحت الركام والاحتلال
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 878 - الأحد 30 يناير 2005م الموافق 19 ذي الحجة 1425هـ