العدد 877 - السبت 29 يناير 2005م الموافق 18 ذي الحجة 1425هـ

الانتخابات مطلب شعبي منذ زمن ولكنها ستكون ناقصة اليوم

الباحث العراقي عبدالحسين شعبان لـ "الوسط":

الحديث عن العراق. .. حديث ذو شجون، فما يحدث في عراق اليوم ليس كالذي حدث في عراق الأمس... وما قد ينتج من الانتخابات المنتظرة قد يفرز خطوطا جديدة ترسم شكل السياسة المستقبلية للمنطقة العربية عموما والخليجية خصوصا.

لن يكون هدف الوجود الأميركي في العراق إرساء ديمقراطية عادلة ولا أن ينعم العراقيون بحكومة منصفة لا تقمع حريتهم بل من أجل تنفيذ برنامجها السياسي والاقتصادي لمشروع الشرق الأوسط الكبير بدءا من محطتها الأولى العراق ومن ثم إلى باقي دول المنطقة وذلك بصورة تتلاءم مع أجندتها السياسية ومطامعها الامبريالية المبطنة بستار إرساء الديمقراطية.

"الوسط" سلطت الضوء على هذه الجوانب في حوار مع الباحث الاستراتيجي والمناضل الحقوقي عبدالحسين شعبان على هامش زيارته للمنامة في الورشة التي نظمتها الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان بالتعاون مع المعهد العربي لحقوق الانسان. وهذا نص الحوار:

ما توقعاتكم بالنسبة إلى الانتخابات في العراق؟

- في الواقع ان حدث الانتخابات ذو دلالات وابعاد مهمة... ليس على صعيد أوضاع الحاضر وانما على صعيد أوضاع المستقبل، والانتخابات ظلت مطلبا شعبيا غائبا لسنوات طويلة بفعل وجود النظام الاستبدادي الشمولي الذي ابتلع الدولة والمجتمع في آن واحد.

ولهذا فإن الحديث عن الانتخابات هو حديث ذو شجون، والانتخابات بلا شك خطوة مهمة نحو الديمقراطية. ولا يمكن الحديث عن الديمقراطية من دون الحديث عن انتخابات ولكن الانتخابات لوحدها لا تعني الديمقراطية... الديمقراطية مجموعة من الآليات ينبغي ان نأخذها... الديمقراطية تقوم على مبدأ المساواة وعلى الشفافية والمحاسبة وعلى الحرية والاستقلال اضافة الى فصل السلطات واستقلال القضاء. الديمقراطية لاتزال متصدعة بفعل وجود الاحتلال وبفعل خضوع الدولة العراقية للقوات المتعددة الجنسيات بالادارة الأميركية.

ان هذا الحدث كان يؤمل منه مثلما تحدث آية الله العظمى السيدعلي السيستاني في البدايات عندما حدد اربعة مطالب رئيسية للعراقيين وهي مطالب مهمة لاتزال ذات انعكاسات وتأثيرات خطيرة ليس على صعيد أوضاع الحاضر ولكن على صعيد أوضاع المستقبل.

فعندما طارت اشاعة تردد بأن اليهودي الأميركي نوح فلدمان المعروف بموالاته لـ "إسرائيل" قد كتب نص الدستور أكد السيستاني أن الدستور يكتب من قبل العراقيين، اما الانتخابات فهي مطلب واجب ولابد من انهاء الاحتلال... ليكن هناك موعد زمني لتقرير مصيرهم، وحدد ان العراق مكون من فئات وتيارات واتجاهات متنوعة ومختلفة فينبغي اخذ مصالحها في الاعتبار.

وعدم الاخذ بحكمة السيستاني ورؤيته المتقدمة قد يعني دفع البلاد إلى اتجاه ضيق. ربما لم يرغب المحتل في ان تسير البلاد وفقا للمسارات التي ارادها ليس السيستاني وحده وانما تيارات عراقية عريضة واسعة.

لهذا فإنني أقول إن هذه الانتخابات تأتي في وقت ملتبس ومبهم وغير واضح المعالم وخصوصا ان البلاد واقعة فعليا تحت الاحتلال.

نهج التعيين

ماذا عن القانون الانتخابي؟

- القانون الانتخابي الحالي حول العراق كله الى منطقة انتخابية واحدة بمعنى انه ضمن الاتجاهات السائدة في القوائم المختلفة سلفا.

أيضا لم يحدد القانون الانتخابي ممثلين عن المحافظات أي أنه لا توجد نسب أو كوتا مخصصة لكل محافظة إلى جانب ان هناك تعينات لصالح الحكومة الحالية المؤقتة التي عينها المحتل... فالحكومة معينة والمحافظون معينون ومجالس البلدية معينة وحتى اللجنة التي سميت بالمفوضية العليا للانتخابات هي الاخرى معينة!

وبالتالي لا يوجد تكافؤ بين حزب الحكومة واحزاب الحكومة وبين القوى التي يراد منها أن تخوض العملية الانتخابية ليس إلا لتأكيد ان النتائج هي التي ستكون.

مقاطعة الانتخابات

وماذا عن مقاطعة بعض التيارات السياسية المختلفة؟

- مقاطعة مجموعة كبيرة من اوساط مختلفة ومتنوعة سيضعف من قيمة الانتخابات، والخوف ان تتصدع الرؤية لدى المواطن ازاء الانتخابات المقبلة ايضا وليس في هذه الانتخابات فقط.

النظام الاستبدادي الطويل الامد لم يدع مجالا لثقافة انتخابية او لثقافة المجتمع المدني او ثقافة ديمقراطية... ولذلك فإن المواطن العراقي حاليا بحاجة الى مزيد من الحريات ومزيد من الاستقرار ومزيد من الأمن، إذ كيف يمكن إجراء انتخابات في ظل فوضى امنية وفرقاء متحاربين... فهناك ارهابيون ومتطرفون ومتعصبون ومنغلقون ومقاومة من جهة أيضا وحكومة من جهة أخرى ومن وراء ذلك كله هناك قوات احتلال.

هذه العملية أدت إلى أن يكون العراق غابة من الفوضى والعمليات الارهابية... في ظل هذه الاوضاع فإن دخول العملية الانتخابية قد يكون محفوفا بالكثير من المخاطر وخصوصا في ظل مقاطعة اوساط واسعة من الشعب العراقي.

ستأتي هذه الانتخابات جزئية، ناقصة، مشكوكا فيها سلفا من اطراف غير قليلة اعلنت عنها مثل الحزب الاسلامي في العراق الذي لم يعلن مقاطعته فقط بل مقاطعته للنتائج التي ستتمخض عنها هذه الانتخابات.

والأحزاب اليسارية... ماذا عنها؟

- عموما هناك فريقان واحد يؤيد تحت باب ومبررات معتمدا على مقولة "لا نشذ بالاجماع" وآخر يمتنع عن المشاركة السياسية تحت مبررات وجود الاحتلال واساليبه في اجتياح المدن وانتهاكات حقوق المدنيين كالذي شاهدناه في سجن أبوغريب أو في المدن والبلدات مثل الفلوجة، سامراء، الموصل كركوك، الرمادي، الأنبار، بعقوبة، مناطق الاعظمية، مدينة الصدر ومناطق اخرى من العراق، كلها دفعت اعدادا من المواطنين التي استبشرت في البداية بالعهد الجديد إلى الياس.

وهذه الانتخابات عندما تجرى في ظروف غير سلمية وغير طبيعية في ظل وجود الاحتلال وفي ظل انفلات امني فستكون نتائجها ربما محسومة سلفا عند المواطن العادي.

دورة العنف

باعتقادك هل يمكن ان تكون مقاطعة الانتخابات فرصة للإرهابيين وعملياتهم؟

- قد يكون جزء من هذا الكلام قريبا الى الصواب ولكن دعيني آخذ من بعض المصادر الاميركية التي تقول "كلما اقتربنا من موعد الانتخابات وما بعدها اقتربنا من الحرب الاهلية" هذا ما صرح به رئيس هيئة الاركان العسكرية ريتشارد مايرز في وقت سابق للصحافيين، الى ما قاله الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الحكومة العراقية المؤقتة إياد علاوي... كل هذه المعطيات تجعلنا نقول ان دورة العنف والفوضى والخطف الى غير ذلك ستجعل الوضع يتفاقم اكثر مما نحن عليه الآن!

إذا لماذا تجرى هذه الانتخابات ان كانت هذه هي الظروف التي يحذر منها حتى الاميركان؟

- لقد ذهب وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر إلى أنه إذا كانت نتائج الانتخابات ستؤدي إلى سيادة غالبية على مجاميع سكانية أخرى في العراق فمن الأفضل أن نقسم العراق... أي أن عملية التقسيم بدأت تطرح ليس بمعنى تفكيك العراق بكيانه الموحد شكلا "المفكك ضمنا" ولكن هناك دعوات صريحة إلى تقسيم العراق، وربما تناغمت هذه الدعوات مع بعض التصريحات التي تصدر من هذا الفريق السياسي او ذاك تحت باب الفيدراليات أو غيرها. حتى لو كان هذا النظام الفيدرالي متقدما، فعلينا دراسته في ظل حكومة وانتخابات شرعية وبرلمان يشمل جميع العراقيين.

ولابد أن تكون يد المحتل بعيدة عن ذلك ومن هنا تأتي المخاوف الجدية والحقيقية من دورة الإرهاب التي قد تنقل إلى دول الخليج التي ستكون مستهدفة من بعد العراق وأنا لا اتنبأ بذلك، فلا عدوى أسرع من عدوى الارهاب.

حكومة شيعية

يتردد كلام عن تخوف من ظهور حكومة شيعية في العراق منفردة في ظل وجود غالبية سنية في المنطقة... ما تعلقيك على ذلك؟

- أريد أن أقول إن هذه القضية قد اثيرت مع الحاكم المدني الأميركي السابق للعراق بول بريمر اذ مر الأميركان بثلاث مراحل، وهي مرحلة الحكم المباشر لجي غارنر ومرحلة المشاركة بين بريمر والجانب العراقي أي أكل الثوم بلسان الغير بجعل الواجهات عراقية لكنه الحاكم الفعلي ثم المرحلة الثالثة هي مرحلة القوات المتعددة الجنسيات لكن بإدارة أميركية.

وبريمر عندما أوجد مجلس الحكم العراقي ابتدع قصة المخصصات الطائفية والاثنية فافترض افتراضات بان الشيعة يحق لهم أخذ 13 مقعدا وان السنة 5 مقاعد والاكراد 5 مقاعد والتركمان والكلدانيون "الآشوريون" مقعد واحد... هذه بذرت بذرة الطائفية السياسية ليس فقط على صعيد مجلس الحكم بل بذرتها على صعيد مؤسسات الدولة والمجتمع. إذا كانت الطائفية السياسية سابقا قد عانى منها العراق بسبب قوانين للجنسية هي في غاية التخلف الذي يرجع الى العام 1924 والذي يحدد درجتين للمواطنة "أ" و"ب" معتبرا التابعية العثمانية هي من درجة "أ" و"ب" من غير التابعية العثمانية ما احدث شرخا داخل المجتمع العراقي تأثرت به الدولة لغرض السيادة والهيمنة مستخدمة هذه العصا تارة بصورة معلنة وتارة أخرى بصورة سرية انعكست على بعض مؤسسات الدولة مثل وزارة الخارجية ووزارة الوزراء والدفاع وبعض اجهزة الأمن العليا.

لكن بريمر وأسلوبه يدفعان بعض الأطراف إلى التمرس. وقد زادت عمليات العنف بعد تأسيس مجلس الحكم إذ انطلقت العمليات من اغتيالات وانفجارات انطلاقة كبرى لم تشهدها من قبل... هناك اطياف واسعة في العراق لا تريد ان تتحول الدولة العراقية الى دولة طائفية ولا تريد تغيير معادلة الدولة بحيث تهيمن فئة على حساب أخرى "وتتحول فئة من متسيدة إلى مهمشة"... وخصوصا أن عملية التغيير تتم من قبل المحتل وبالاكراه. ولو كانت هناك انتخابات وهذه الفرق حازت على الغالبية من نتائج الانتخابات فإن الوضع سيختلف. ثم من يمثل الشيعة...! لا يوجد أحد! فلا مجلس الحكم ولا المرجعيات الدينية ولا الذين خارج المرجعيات، فالشيعة نسيج اجتماعي متصل ومختلط بكل الاطياف السياسية والثقافية والفكرية العراقية. الغالبية الساحقة من حزب البعث كانوا من الشيعة بينما الغالبية الساحقة من الحزب الشيوعي أيضا من الشيعة وكذلك باقي الحركات الاخرى.

وأخيرا... كيف ترى مستقبل العراق؟

- لابد لكل الأطراف ان تقدم تنازلات سياسية من اجل المصلحة الوطنية لحل المشكلات القائمة بروح من التعاون والمسئولية الوطنية، لان ذلك سيسهم في ايجاد حلول سلمية لجميع العراقيين.


المتحدث العسكري لقوات التحالف لـ "الوسط":

الانتخابات العراقية "حدث تاريخي"

الوسط - المحرر السياسي

يترقب الجميع حدث الانتخابات العراقية بشغف وهي تطل عبر شاشات الفضائيات او تسمع عبر اثير الاذاعات العربية والدولية.

وكون ان الحدث يشكل نقطة مهمة على خريطة السياسة العراقية الذي يعيش اليوم من دون رئيسه الدكتاتوري المخلوع صدام حسين وسقوط نظامه البعثي في العشرين من مارس/آذار 2003 فإن الاستعدادات التي تبنتها الحكومة العراقية المؤقتة مع قوات التحالف المتعددة الجنسية فيما يتعلق بالجانب الامني كثيرة وعدة من أجل ضمان سير العملية الانتخابية في حدث وصفه المتحدث العسكري باسم قوات التحالف الجنرال اورين ليسل بأنها "تاريخية" بالنسبة إلى العراقيين المقبلين على ديمقراطية جديدة الذي جاء خلال حديث مقتضب اجرته "الوسط" عبر الهاتف من مقر اقامته في العاصمة بغداد. وهذا نص الحديث:

كيف هي الاجواء من داخل العراق؟ وما الاستعدادات التي اجريتموها مع الجانب العراقي لضمان سير الانتخابات؟

- دعيني في البداية أعبر عن مدى سروري وامتناني للزيارة التي قمت بها أخيرا الى البحرين قادما من بغداد. وردا على سؤالك فان قواتنا مدت يد العون مع الجانب العراقي متمثلة في وزارة الداخلية بكامل طاقمها من حرس الى شرطة وغيره، اذ وضعت اجراءات أمنية مشتركة في جميع ارجاء العراق تحسبا لاي عمل ارهابي.

اما بالنسبة إلى الاجواء فقد أعلنت الحكومة المؤقتة عطلة رسمية للعراقيين تبدأ من أمس وحتى يوم غد الاثنين في حين سيعمم حظر التجوال ليلا وفي بعض المناطق لكن سيتم السماح بنقل الطعام والماء والأدوية والوقود في أوقات معينة خصوصا في يوم التصويت.

هل اخذتم اقصى درجات التأهب الأمني؟

- نعم لضمان حماية المدنيين وايضا لضمان سير العملية بالنسبة إلى التسجيل والتصويت في مراكز الاقتراع في حين سيظل مطار بغداد مغلقا على مدار يومين بدءا من امس وحتى اليوم بينما سيبقى مطار اربيل والبصرة مفتوحا.

وماذا عن مراكز الحدود بين العراق وجيرانه؟

- سيكون عدد الجنود مضاعفا وسيكون هناك تعاون مشترك اذ ستكون الاجراءات الامنية مكثفة واضافية عن المعتاد بل واكثر حزما اذ سيسمح فقط للمساعدات الانسانية المقدمة من المنظمات غير الحكومية بدخولها.

إذن عملية التفتيش ستكون مكثفة في يوم التصويت؟

- هذا الامر طبيعي لاهمية الحدث حتى بالنسبة إلى السيارات المدنية وجودها بالقرب من مراكز الاقتراع ستمنع تحاشيا لأي انفجار ناتج عن لغم في السيارة من قبل الجماعات الارهابية.

هل دوركم يقتصر على الجانب الأمني فقط؟

- نعم، فنحن ليست لنا علاقة بالعملية الانتخابية او بطبيعة سير عملية التصويت داخل مراكز الاقتراع، فهناك المفوضية العليا للانتخابات ودورها ينصب في هذا الشأن.

نحن نعلم علم اليقين بان الارهابيين سيحاولون افساد هذا اليوم للعراقيين لوقف الانتخابات.

أي الاقليم او المدن عرضة للهجمات الارهابية؟

- ان الوضع طبيعي في مناطق الشمال والجنوب بما فيها النجف التي هدأت كثيرا بينما وسط العراق الذي تجتمع فيه المجموعات السنية في مدينتي الرمادي والفلوجة التي تم اكتشاف فيها مخازن للأسلحة فان المشاركة في الانتخابات منخفضة جدا مقارنة بمناطق الاكراد والشيعة.

هل صحيح هناك دور ايراني وسوري حاليا داخل العراق؟

- هناك ادلة تثبت وجود عناصر لهاتين الدولتين وقد تم الكشف عن بعضهم في وقت سابق وايضا بالنسبة إلى أنصار الارهابي ابو مصعب الزرقاوي.

هل تعتقد ان العراقيين يريدون هذه الانتخابات؟

- نعم، فالغالبية تود ديمقراطية جديدة حتى يقرروا مصيرهم الى جانب تطوير الجانب الأمني ليعم الاستقرار...لان العراق تحول الى مسرح للعمليات الارهابية.

ايضا اعتقد ان يوم الانتخابات هو حدث تاريخي لا يمكن ان ينسى من ذاكرة العراقيين وشخصيا انا سعيد بأنني اشهد هذا اليوم من داخل العراق بل وسعيد بالتعاون مع العراقيين في دعم ديمقراطيتهم الجديدة

العدد 877 - السبت 29 يناير 2005م الموافق 18 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً