معظم التعليقات والتحليلات التي تناولت الانتخابات العراقية ركزت على موضوع إجرائها في ظل وضع أمني متأزم وفي ظل وجود القوات المتعددة الجنسيات، وبالتالي في ظروف سمحت ببروز نزعات المقاطعة لها. ولا يوجد إلا القليل مما تناول جوهر هذه الانتخابات ومغزاها والنظام الذي اعتمدته والكيفية التي يمكن بها اقتسام السلطات بعدها. وظلت الإجابة على السؤال الحقيقي المتعلق بشأن: هل يمكن ان تتغير نتائج هذه الانتخابات على نحو جوهري في حال إجراء العملية الانتخابية في ظروف سلمية بعيدة عن أعمال العنف؟ مفقودا. حقيقة هذه الانتخابات انها اعتمدت نظام التمثيل المحدد في قانون الانتخابات على انه نظام التمثيل النسبي باعتماد منطقة انتخابية وطنية واحدة لانتخاب أعضاء الجمعية الوطنية العراقية البالغ عددهم 275 عضوا. ويقول رئيس المفوضية العليا للانتخابات العراقية حسين الهنداوي "إن تركيبة الجمعية ستكون نتاج تخصيص عدد من المقاعد فيها للكيانات السياسية بحسب عدد الأصوات التي تحصل عليها هذه الكيانات. وهكذا فإن الكيان السياسي الذي يفوز بنسبة 20 في المئة على سبيل المثال، سيحصل على 20 في المئة من المقاعد"، موضحا "ان المرشحين الذين ينتخبون للجمعية الوطنية سيمثلون سكان العراق كافة، وبالتالي فإن الأصوات التي يدلى بها في عموم البلاد ستوزع على قائمة المرشحين التي يختارها الناخب بصرف النظر عن المكان الذي يدلي فيه بصوته".
ويرد الهنداوي على الانتقادات التي تلوم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على اعتماد هذا الأسلوب الذي يرون فيه أخطاء كبيرة بالقول إن "المفوضية جهة تنفيذية لا تملك تغيير هذا الأسلوب الانتخابي الذي ورد في قانون الانتخاب الذي حمل الأمر رقم 96 الذي أصدره المدير الإداري لسلطة الائتلاف المؤقتة في 7 يونيو/ حزيران 2004". وكان العراقيون الليبراليون يتطلعون إلى نظام انتخابي مفتوح بمعنى أن تتشكل الجمعية من خلال تنافس انتخابي بين الأفراد في عدة دوائر انتخابية وبالتالي فإن المنافسة لن تكون مقتصرة على الأحزاب والحزب الفائز في الانتخابات هو الذي سيحصل مرشحيه على مقاعد العضوية في الجمعية العمومية، ولكن في هذه الحال يكون أعضاء الجمعية المنتخبة خاضعين للمساءلة أمام السكان المحليين الذين منحوهم أصواتهم وليس أمام زعماء الأحزاب التي ينتمون إليها. وأيدت الكثير من استطلاعات الرأي العام التي أجريت مطلع العام الماضي مثل هذا التوجه عندما أكدت أن الأحزاب السياسية تحظى بتأييد 3 في المئة فقط من الشريحة المستطلع رأيها. وكانت المناقشات التي أجرتها النخب المثقفة العراقية وحتى الكثير من زعامات الأحزاب مع رئيسة خبراء الأمم المتحدة للمساعدة الانتخابية كارينا بيرللي، أوضحت فيها رغبتها في اعتماد مناطق انتخابية متعددة، كأن تكون هناك منطقة انتخابية لكل 87 ألف عراقي تقريبا، بمعنى أن يكون عضو واحد عن كل دائرة انتخابية أو تقليص عدد الدوائر إلى النصف أو الثلث وبالتالي ينتقل عضوان أو ثلاثة أعضاء عن كل دائرة انتخابية إلى الجمعية الوطنية. وأوضح عدد من المثقفين العراقيين المتطلعين إلى بلورة نظام تمثيلي حقيقي ان اعتماد المناطق الانتخابية المتعددة واعتماد التنافس الانتخابي فيها بين الأفراد وليس الكيانات السياسية من شأنه أن يحل كثيرا من الاختناقات السياسية التي حفل بها المشهد السياسي بعد احتلال العراق، وفي مقدمتها هيمنة "الدياسبورا" السياسية والحزبية على الحياة السياسية العراقية. ويبدو أن بيرللي كانت تميل للاستجابة لهذه المطالب واعتماد التنافس الانتخابي بين الأفراد وفي مناطق انتخابية متعددة. وقالت في تصريحات للصحافيين في مايو/ أيار 2004 "إن مشاعر العداء للأحزاب بين السكان قد بلغت أشدها". ولكن مع بداية يونيو/ حزيران 2004 تغير هذا الميل، فإذا ببيرللي تعلن التخلي عن الأخذ بدوائر انتخابية متعددة لصالح اعتماد العراق كله منطقة انتخابية واحدة مع إلغاء فكرة التنافس الانتخابي الفردي لصالح التنافس الانتخابي بين قوائم الائتلافات الحزبية. وبررت هذا التغيير بالقول "إن مجموعات سكانية كثيرة أصابها التفتت وتشتتت في أنحاء العراق... وتريد أن تكون قادرة على تجميع أصواتها والإدلاء بها مع أصحاب العقليات والآراء المشابهة".
ومن جانبهم اعتبر الديمقراطيون العراقيون اعتماد هذا النظام الانتخابي غدر بتطلعاتهم، ووصفوها انزلاقا نحو نظام " الكوتة" الطائفية العرقية. وبحسب كلام عضو في المفوضية المستقلة للانتخابات فإن الأميركيين والبريطانيين في سلطة الائتلاف المؤقتة أقنعوا بيرلي وزملاءها ان "هذا البلد على قدر كبير من التباين والتنوع والتمازج الديني والثقافي والعرقي والسياسي، فإنه سيكون من الصعوبة بمكان على مجموعة سياسية واحدة أن تحكمه، من دون أن يثير ذلك ضغائن الآخرين، ويدفعهم إلى العنف والاقتتال، وان اعتماد منطقة انتخابية واحدة والتنافس على أساس القوائم الحزبية من شأنه أن يتيح الحكم للغالبية كما في كل نظام ديمقراطي من دون أن يكون صحيحا بالضرورة، أن تكون الأقلية مغلوبة على أمرها خلال تلك الظروف. ولا مناص لأية حكومة منتخبة من أن تتقاسم السلطة في سبيل إدارة عراق ما بعد صدام".
ولكن بالنسبة إلى العراقيين المتنورين الذين يتطلعون إلى إقرار نظام ديمقراطي جوهري، فإن نظام القوائم الحزبية لن يعزز عملية التمثيل النيابي. فالكثير منهم ينتمون إلى إثنية واحدة، لكنهم لا يشتركون في الاهتمامات المحلية ذاتها. ومن الجائز أيضا أن يكون في نظام القوائم الحزبية تقويض للحرية الدينية. فالمسيحيون على سبيل المثال يشكلون أقل من 3 في المئة من سكان العراق، ومازالوا حتى الآن يتجمعون في بلدات مثل القوش وعين كاوا ودهوك. والكثير من المسيحيين لا يؤيدون أحزابا مثل "الحركة الآشورية الديمقراطية". وفي غياب انتخابات على أساس المناطق، ربما لا يجد هؤلاء من يمثلهم. وهناك الطوائف الدينية الأصغر حجما والتي ليس لها أحزاب سياسية خاصة لكنها تعيش في تجمعات في مناطق معينة وقد تجد نفسها من دون أي تمثيل سياسي في هذه العملية الانتخابية المهمة.
الكويت - حسين عبد الرحمن
فشلت كل المحاولات التي قام بها رئيس الجمعية العراقية الكويتية زهير الدجيلي في مشاركه العراقيين المقيمين في الكويت بالتصويت في الانتخابات التي ستجرى في العراق في 30 من الشهر الجاري على رغم أن صناديق الاقتراع في البصرة على بعد 40 كيلومترا من الحدود الكويتية العراقية إلا أن المفوضية الدولية حرمت ثمانية آلاف عراقي مقيم في الكويت من المشاركة في التصويت وتلزمهم بالسفر إلى دبي بدولة الإمارات العربية أو الأردن للتصويت في الانتخابات وعلى أن يتحمل العراقي كلف السفر والإقامة إلى دبي من أجل التصويت.
ويرى وكيل وزارة الداخلية الكويتي المساعد لشئون الخدمات الأمنية المساندة ثابت المهنا أن الكويت تأمل أن تجرى الانتخابات العراقية في جو ديمقراطي يكون فيها التنافس من أجل أمن واستقرار العراق وخصوصا أن استقرار العراق سينعكس على المنطقة الخليجية والعربية.
أما بشأن الانتخابات العراقية فيقول: "إننا في الكويت مستعدون لتقديم كل الدعم للإخوة العراقيين المقيمين في الكويت للمشاركة في الانتخابات، ولكن الأمر ليس بيدنا إذ إن المفوضية الدولية ولاعتبارات تتعلق بها اختارت أن تكون دبي مركزا لتصويت العراقيين المقيمين في دول مجلس التعاون الخليجي، أما من يريد التصويت في العراق فإننا على استعداد لتقديم الخدمات لهم ومنحهم التسهيلات والتصاريح حتى يتمكنوا من الخروج من منفذ العبدلي، وهذا الأمر راجع لهم لأن الانتخابات شأن عراقي بحت ونحن لا نتدخل في شئونهم الخاصة".
صدمنا وحرمنا
وعن الانتخابات العراقية ومصير المقيمين العراقيين في الكويت قال رئيس الجمعية زهير الدجيلي: "إننا صدمنا من موقف المفوضية الدولية التي حرمتنا نحن المقيمين في الكويت من التصويت على رغم كل الحلول والاقتراحات التي قدمناها لهم إلا أن محاولاتنا باءت بالفشل".
وأنيطت مهمة الإشراف على مشاركة العراقيين في الخارج في الانتخابات بمنظمة الهجرة الدولية. وهي منظمة من المنظمات المعتمدة من قبل الأمم المتحدة وتعهدت بالإعداد والإشراف على مشاركة العراقيين في الخارج في الانتخابات بعد قرار المفوضية العليا، الذي ضمن مشاركتهم وخصصت لها موازنة تصل إلى 92 مليون دولار وفق عقد أشبه بالمقاولة، اشتركت فيه جهات كثيرة بما فيها وزارة المالية في الحكومة العراقية المؤقتة.
اتصالات وتوسلات
ويضيف الدجيلي "أجريت اتصالا برئيس المفوضية العليا في بغداد حسين الهنداوي وقلت له إن في الكويت عراقيين يرغبون في التصويت ونطمح أن يفتح مركز انتخابي ليتسنى لنا المشاركة في هذه الانتخابات وخصوصا أن العراقيين لم يشاركوا في الانتخابات الحرة منذ أن تولى حزب البعث حكم العراق". ويشير رئيس الجمعية العراقية الكويتية إلى أن رئيس المفوضية الهنداوي "رد علينا عليكم بالتصويت في دبي".
وقال الدجيلي: "صرح المسئول في منظمة الهجرة بيتر اربرن، أن عدد العراقيين الذين سجلوا أسماءهم كناخبين في الخارج وصل إلى 130 ألف شخص في 14 دولة وذلك من أصل ما يزيد على مليون عراقي مؤهلين للتصويت. وكما يبدو من متابعتنا لنشاط منظمة الهجرة، وبحسب بياناتها في تنفيذ هذه المقاولة، أنها لم تتمكن من فتح سوى 74 مركزا انتخابيا في 36 منطقة في 14 بلدا فقط يوجد فيها العراقيون".
مركز خليجي
وقال رئيس الجمعية العراقية الكويتية: "يمكن للعراقيين في الكويت أن يكون لهم مركز اقتراع يمارسون فيه عملية الانتخاب. لكن منظمة الهجرة أوجدت مركزا واحدا في دولة الإمارات "دبي" لجميع العراقيين الموجودين في دول الخليج. في حين أوجدت مركزا في الأردن وآخر في سورية. وتقاعست عن فتح مركز انتخابي للعراقيين في مصر وشمال إفريقيا".
وقال الدجيلي: "اقترحنا على المنظمة فتح مركز اقتراع في صفوان داخل الأراضي العراقية والتي لا تبعد عن الحدود الكويتية العراقية أكثر من 100 كيلومتر عن مدينه الكويت وتستغرق الرحلة ساعة بالسيارة للوصول إلى "صفوان العراقية" أي أن المقيم في الكويت العراقي يستطيع أن يقوم بالتصويت خلال قترة قصيرة ويعود إلى مدينة الكويت في اليوم نفسه إلا أن المفاجأة التي لم نتوقعها أن طلبنا قوبل بالرفض، لأن هناك إجراءات سياسية وقانونية تمنع مشاركة المقيمين في الخارج بالتصويت داخل العراق فلا يجوز أن يصوت من هم خارج العراق على أرض عراقية، فتعذر علينا المشاركة".
وأضاف رئيس الجمعية العراقية الكويتية الدجيلي "إننا صححنا معلومات المفوضية ومنظمة الهجرة التي كانت تدعي قلة عدد العراقيين في الكويت وأن عددهم لا يتجاوز الألفين وأبلغناهم أن العدد يصل إلى عشرة آلاف، إذ إن إحصاءات سنة 2002 تشير إلى ثمانية آلاف عراقي مقيم في الكويت وهذا يتوافق مع قانون الانتخابات الذي يفرض إقامة مركز انتخابي في البلد الذي يوجد فيه عشرة آلاف عراقي ولكن يبدو أن العجالة التي طبعت عمل منظمة الهجرة الدولية، والخلافات التي عصفت بمجلس المفوضية العليا بشأن الناخبين في الخارج، ورغبة القائمين على منظمة الهجرة في توفير بعض الأموال من المقاولة، حرمت العراقيين في الكويت ومصر وبلدان شمال إفريقيا وبلدان أخرى من حق الانتخاب. مفترضين أن بإمكان العراقي في الكويت مثلا السفر إلى الإمارات أو الأردن أو سورية للتصويت". وقال: "الأمل في الانتخابات المقبلة إذ يتم تلافي الأخطاء في هذه الانتخابات"
العدد 877 - السبت 29 يناير 2005م الموافق 18 ذي الحجة 1425هـ