تبدأ اليوم الانتخابات العراقية، ومع توجه الناخبين العراقيين إلى صناديق الاقتراع يكون المشروع الأميركي لإعادة رسم خريطة منطقة الشرق الأوسط قد بدأ، وما سيؤكد ذلك مدى نجاح الانتخابات العراقية. وفي كلتا الحالتين، أي في النجاح أو الفشل ستكون هناك آثار سلبية على الدولة العراقية الجديدة، وعلى منطقة الخليج والشرق الأوسط عموما.
في حال النجاح فإن نتائج الانتخابات ستتعرض لهجمة عنيفة للغاية من قبل القوى التقليدية، وبعض القوى السياسية الأخرى في العراق بسبب مواقفها المتحفظة من إجراء الانتخابات في ظل تواجد قوات الاحتلال التي يعني استمرارها انتقاصا في مفهوم السيادة. والمتتبع لسير الحملات الانتخابية العراقية سيلاحظ حجم الرغبة والمشاركة الشيعية فيها، الأمر الذي لايدع مجالا للشك بفرص فوزهم في الانتخابات. وبالتالي سيتمخض عن سيناريو النجاح حال من الصراع العميق الذي لن يكون كامنا البتة، وإنما سيشهد النظام السياسي صراعا طائفيا صريحا وواضح المعالم قد يصل إلى مرحلة الحرب الأهلية كما حدث في لبنان قبل توقيع اتفاق الطائف.
وإزاء هذا الوضع فإن الإدارة الأميركية الجديدة ستواجه الكثير من المآزق على الأرض العراقية، ومن الصعوبة بمكان تحديد طبيعة التحالفات التي من الممكن أن تنشأ لاحقا جراء الحرب الأهلية العراقية والصراع الطائفي المرتقب ضمن هذا السيناريو.
ولكن أقوى طرح محتمل هو قيام تحالف أميركي - محلي يضمن ضرب القوى السياسية الأخرى، وما يؤكد ذلك وجود عامل الشرعية في التحالف، فقيام الولايات المتحدة مثلا بدعم بعض الأطراف العراقية المحسوبة على المقاطعين لن يكون ضمن غطاء شرعي، بخلاف التحالف مع الذين يتوقع بروزهم في النظام بعد مشاركتهم في الانتخابات "الحرة" وفق المنظور الأميركي، وبالتالي فإن الإدارة الأميركية سيكون لديها سبب مبرر لتحالفها الجديد يمكن أن تواجه به الرأي العام الداخلي والعالمي.
أما في حال فشل الانتخابات فإن الأوضاع الأمنية ستتفاقم في العراق ومنطقة الخليج ودول الجوار، وستتضرر هذه الدوائر بشكل لافت نتيجة استنزاف موازنات هذه البلدان لمواجهة عدم الاستقرار السياسي والأمني على المستوى الإقليمي، ما سيخلق عددا من المشكلات والتحديات الداخلية. وسيكون تحدي التحالف الانجلو أميركي كبيرا بسبب انكشاف حال العجز، وضعف القدرة على إعادة الاستقرار للعراق ومن ثم فشل المخططات لدمقرطة العراق ونشرها على مستوى الدول العربية. وكل هذا قد يدفع الإدارة الأميركية التي يسيطر عليها المحافظون الجدد إلى تبني مخطط تقسيم العراق إلى فيدراليات ثلاث وفق معايير إثنو طائفية رغم خطورة ذلك على المصالح الأميركية.
ما يهمنا في النهاية هو أن الانتخابات العراقية أصبحت تشكل مفترق طرق بالنسبة لمخططات المحافظين الجدد، وإذا كان العراق وفق المفهوم الأميركي بداية المشوار نحو "الشرق الأوسط الكبير" فإن النجاح أو الفشل في تحقيق ذلك بدأ منذ الآن. وعلى دول المنطقة وقواها السياسية إدراك ذلك ومواجهته، لأن ما سيشهده العراق سواء بالاستقرار أو بعدمه سيؤثر كثيرا على خريطة المنطقة. فالاستقرار يعني تفرغ الإدارة الأميركية إلى غزوات أخرى تجاه إيران وصوب سورية نزولا إلى دول مجلس التعاون في مرحلة لاحقة ومتقدمة. أما أكبر تأثير لعدم الاستقرار هو انتقال حالات العنف في العراق وتداعياتها إلى بلدان الجوار كما ظهرت إرهاصاتها مع بواكير الغزو الأميركي البريطاني، وكل ذلك طبقا لنظرية "الدومينو" في العلاقات الدولية، ما يجعل منطقة الخليج من أكبر مناطق الصراعات المسلحة في العالم وهو ما سيكون له تأثير تاريخي في النظام الدولي
العدد 877 - السبت 29 يناير 2005م الموافق 18 ذي الحجة 1425هـ