العدد 877 - السبت 29 يناير 2005م الموافق 18 ذي الحجة 1425هـ

أميركا تريد تحويل العراق إلى قاعدة مركزية لسياستها

السيد فضل الله في خطبة الجمعة:

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

أشار السيدمحمدحسين فضل الله، في الخطبة السياسية يوم الجمعة الماضي إلى أن التحاللف الأميركي الإسرائيلي يستهدف خلط الأوراق في المنطقة لمصلحته، ويمتد الى أكثر من مكان في العالم ليمنح الدولة الصهيونية أكثر من ساحة للنفوذ، من خلال استغلال شعار معاداة السامية لضرب أية حركة إعلامية لمناهضة السياسة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في مصادرة أراضيه، كما يحدث الآن في القدس من سرقة لبيوت الفلسطينيين الذين طردوا الى الضفة الغربية تحت قانون الاستيلاء على بيوت الغائبين، والتمدد في الجدار العنصري الى أكثر من أرض فلسطينية، في الوقت الذي تلوح فيه بكلمات السلام بيد وتواصل عمليات القتل والتدمير بيد أخرى. وقد كانت آخر جريمة لها قتل الطفلة ذات الثلاث سنوات وهي في بيت أهلها، وتحميل الفلسطينيين مسئولية ذلك، لتضاف هذه الطفلة الى مئات الأطفال الفلسطينيين الذين قتلتهم "إسرائيل" بكل وحشية، من دون أي استنكار أو احتجاج أميركي أو أوروبي أو عربي رسمي، لأن الجميع مشغولون بالحديث عن السلام الموعود الذي يطالب الفلسطينيين بتقديم التنازلات من حقوقهم الشرعية ومنح الأمن المطلق لليهود، من دون أي مقابل في إعطاء الأمن للشعب الفلسطيني، في نطاق أكذوبة خريطة الطريق التي طرحتها اللجنة الرباعية بقيادة أميركية، ولكن على الطريقة الشارونية التي فرغتها من مضمونها التحريري، لتشرع منع الفلسطينيين من حق العودة ومن رفض المستوطنات والرجوع الى القدس، ليكون مشروع الدولة الفلسطينية مشروعا فارغا من معنى الدولة في معنى الحرية وتقرير المصير.

إن التحالف الأميركي الإسرائيلي عمل منذ نشوء الدولة العبرية على الالتفاف على قرارات الأمم المتحدة، ليكون الحق لـ "إسرائيل" في السيطرة على فلسطين شعبا وأرضا، وعلى ما حولها من أرض لبنان وسورية، ولتعمل على العبث بمقدرات المنطقة ولتقوم بالمناورة في الحديث عن الحلول المؤقتة والمشروطة، لامتصاص النقمة الدولية حيال مجازرها وحيال المآسي التي تسببت بها للفلسطينيين، ولتضع القيادة الفلسطينية الجديدة أمام خياراتها وشروطها، لأنها تريد لها أن تنفذ الشروط الأمنية كما تريدها هي، ولا تريد الوصول الى مستوى الحل السياسي أو المعالجة السياسية. إنها تريد أن تقود الفلسطينيين الى حقل الألغام الأمني الذي يبعدهم عن حقوقهم، ويشغلهم عن المستقبل السياسي الذي ينبغي أن يعملوا له.

وهذا ما ينبغي للفلسطينيين - حكومة وفصائل - الانتباه له، ولاسيما في حركة الخطة الأميركية من خلال الموفدين الأميركيين الذين يعملون من أجل تنفيذ الخطة الصهيونية بالمزيد من التضليل والخداع واللعب على الألفاظ والكلمات المعسولة التي لا تمثل شيئا، ولا توحي بالجدية الواقعية... إن المطلوب منهم مواصلة الحوار لاكتشاف خلفيات اللعبة الأميركية الإسرائيلية الجديدة في الحديث عن الحل السلمي الذي يتحرك في أكثر من ضغط على الشعب الجريح، للحفاظ على ساحتهم الداخلية أولا وآخرا ولرفض التفريط بكل سنوات الجهاد والمعاناة، فإن "المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين".

إن السياسة الأميركية في الولاية الجديدة للرئيس جورج بوش هي "الحرب العالمية من اجل الديمقراطية لإسقاط الدكتاتورية"، ولكن السؤال هو: هل أن هذا الرجل جاء برسالة سماوية من أجل تحرير العالم من الطغاة، أو أنه يطرح هذه القيم السياسية الإنسانية من أجل تأكيد المصالح الأميركية الاقتصادية والأمنية، وحماية أميركا على حساب إسقاط أمن الشعوب المستضعفة، في حروبه الاستباقية التي تدمر البلاد والعباد، كما حدث في أفغانستان والعراق اللذين لا يزالان يعانيان من القتل والفوضى الأمنية والسقوط الاقتصادي بشكل غير معقول؟

إن المنطق الأميركي للإدارة الحالية هو أن يكون العالم الآخر تابعا للامبراطورية الأميركية، لا شريكا لها في بناء الواقع الجديد الذي يؤكد حقوق الإنسان... وإننا نتساءل: هل الديمقراطية تدخل الى حياة الشعوب على ظهر الدبابات التي تسحق هذه الشعوب، بما فيها المعارضة للاحتلال؟!

لقد دخل الجيش الأميركي العراق بقرار ذاتي للإدارة، من دون موافقة الأمم المتحدة، بحجة تدمير أسلحة الدمار الشامل التي اكتشف أخيرا أنها ليست موجودة، ولم يستطع حتى الآن أن يجلب الأمن للعراقيين على رغم كل الأسلحة المتفوقة التي يملكها جيشه، الأمر الذي يوحي بأن القضية عنده هي إبقاء احتلاله في العراق ولكن بموافقة الحكومة التي ستنشأ على طريقته لخدمة سياسته. إن العراق يدخل في مشروع الانتخابات الوطنية بعد يومين، والسؤال: هل يملك الشعب الحرية في اختيار من يمثله، وهل أن الشروط الأمنية والسياسية متوافرة للمناخ الحر الذي لا بد للشعب أن يعيشه، وهل يحقق هذا المشروع المستقبل الذي يتطلع إليه الشعب تحت سلطة الاحتلال؟

إننا ندعو الشعب العراقي الى الوعي والوحدة والحذر من كل الخلفيات المشبوهة والألاعيب المتنوعة، لينظر الى الواقع بعينين مفتوحتين ترصدان الأمور بيقظة سياسية مستقبلية، ولا سيما أن الطريق الى تحقيق مصالح أميركا طويل، لأن المطلوب أميركيا أن يتحول العراق الى قاعدة مركزية دبلوماسية أميركية كبرى من خلال السفارة الأميركية التي هي السفارة الأكبر في العالم، والى قاعدة عسكرية في أكثر من موقع من مواقعه الاستراتيجية التي تتيح لها محاصرة كل دول المنطقة للضغط عليها سياسيا وأمنيا من خلال فرض شروطها الضاغطة، كما نجده في حساباتها التي يتحدث أحد المسئولين الأميركيين عن وجوب تصفيتها مع سورية وإيران، بالتعاون مع "إسرائيل" التي هي حاملة الطائرات الأميركية في الشرق الأوسط، على حد قول أحد المسئولين الأميركيين، ومن خلال وجود قواعد أميركية سرية في "إسرائيل"... إن المنطقة تقبل على أخطر وضع أمني سياسي من خلال الضغط الأميركي الإسرائيلي، ما يفرض على شعوبها ودولها الحذر الشديد من تأثيرات ذلك على حريتها ونموها الاقتصادي واستقلالها.

أما في لبنان فقد نسي القائمون على سياسته كل شيء في حاضره ومستقبله، واستغرقوا في قانون الانتخاب الذي يراد له أن يرفع فريقا ويضع فريقا آخر، لحساب أوضاع طائفية هنا وشخصانية هناك، باعتبار تأثيرات أطياف المجلس القادم في حسابات المعارضة والموالاة التي لاتزال موضع تجاذب في الدائرة الصغرى أو الوسطى، من أجل خصوصيات حزبية أو شخصية لا من أجل الوضع العام للبنان الذي تحيط به الأخطار من كل جانب.

ولعل من المفارقة هي أن الانسحاب الإسرائيلي ليس في موقع الأهمية لدى بعض الفرقاء، بل الانسحاب العربي السوري، وإن التدخل الأميركي ليس هو المشكلة بل هو التدخل السوري... إننا نقول للجميع: ليكن الصوت واحدا أن يبقى للبنان موقعه الحر في قراره، وموقفه الأصيل في رفضه للاحتلال الإسرائيلي، وعلاقته المصيرية بالمحيط العربي، ولا سيما السوري، على أساس الاحترام المتبادل والمستقبل المشترك في مواجهة الاهتزازات السياسية والأمنية في المنطقة كلها

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 877 - السبت 29 يناير 2005م الموافق 18 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً