العدد 876 - الجمعة 28 يناير 2005م الموافق 17 ذي الحجة 1425هـ

كتساف ولغز حق العودة لليهود ومنعها من الفلسطينيين

"عليكم أن تفيقوا من حلم عودة اللاجئين"

حسن أحمد عبدالله comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أعلنت "إسرائيل" قبل أيام عزمها تدمير ثلاثة آلاف منزل في منطقة رفح من أجل حفر خندق لمنع تهريب السلاح من مصر إلى الأراضي الفلسطينية. وتصادف الإعلان مع رد الرئيس الإسرائيلي موشي كتساف على الأسئلة المرسلة إليه من مواطنين عرب من عدد من الدول العربية عبر الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، ونشرته على موقعها على الانترنت يوم الجمعة 14 يناير/ كانون الثاني الجاري. والمفارقة هي أن الرئيس يتحدث عن السلام وعن المعاناة الاسرائيلية ما أسماه "الإرهاب الفلسطيني" ويعتبر ما تقوم به القوات الإسرائيلية من أعمال عدوانية هو لإحباط هذا الارهاب! ويقول: "لا نقوم بعمليات انتقامية ضد الإرهاب أو بممارسات عقاب جماعي، إننا نقوم بممارسات إحباط. تعبير "عمليات إحباط" قد يمس أحيانا بالأبرياء. نحن لا نريد ذلك. هناك أخطاء، هناك حوادث، وعندما تصلنا معلومات استخبارية بشأن نية تنفيذ عملية إرهابية ضدنا، فإنه من الطبيعي أن نرسل قواتنا من أجل إحباط العملية وليس كي نعاقب. كما أن العمليات العسكرية التي كانت في خان يونس وجنين لم تكن عقابا. ببساطة كانت هناك استخبارات جيدة وتم إبلاغنا بنوايا تنفيذ عمليات إرهابية من داخل المنازل، وللأسف الشديد، فإن التنظيمات الإرهابية لا تتصرف في الجبهة مثلما يتصرف الجيش في الحرب، إنما من داخل المناطق المأهولة، من داخل المنازل والأحياء السكنية. إننا نضطر إلى إرسال قواتنا إلى المناطق السكنية من أجل إحباط هذه العمليات وليس لتنفيذ عقوبات جماعية".

إذا كان ما يقوم به الجيش الإسرائيلي ليس عقابا جماعيا وإنما هو "عمليات إحباط إرهاب"، فكيف يستطيع كتساف تفسير ما تزمع القيام به "إسرائيل" حيال ثلاثة آلاف منزل في رفح، ومن سيكون مسئولا عن الثلاثة آلاف عائلة التي ستهجر من هذه المنازل؟

إن المنطق الذي يستخدمه كتساف في أجوبته على تلك الأسئلة أقرب ما يكون إلى الأحجية التي لا جواب لها، ففي وقت يتحدث فيه عن السلام يبرر فيه أيضا العمليات العدوانية التي تقوم بها القوات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في المناطق المحتلة، لا بل انه يتحدث عن إحباط عمليات إرهابية من خلال النوايا فهو لم يتحدث عن معلومات استخبارية واضحة ودقيقة عن عمليات وإنما عن نوايا لتنفيذ عمليات، واعتبر ما جرى في خان يونس وجنين من عمليات إحباط الإرهاب لأن كما يقول "إن الإرهابيين يستخدمون المنازل في العمليات الإرهابية وهم ليسوا كالجيش الإسرائيلي في الحرب". وطبعا لم ولن يكونوا كالجيش الإسرائيلي في الحرب، فهم لم يدمروا المنازل على ساكنيها.

وفي موضوع حق العودة فهو ينفي حق العودة للفلسطينيين إلى أرضهم التي طردوا منها قبل 56 سنة، ولكنه يتحدث عن حق العودة اليهودي، والذي طبقا لكلامه يعود إلى آلاف السنين! إذ يقول ردا على مواطن لبناني سأله عن حق العودة للفلسطينيين فيقول: "لقد استوعبت "إسرائيل" في السنوات العشر الأولى من تأسيسها أكثر من مليون لاجئ من الدول الإسلامية. غالبيتهم تركوا جميع أملاكهم في البلاد الإسلامية وهاجروا إلى "إسرائيل" مشردين. لقد زودتهم دولة "إسرائيل" بالتعليم، الصحة، الرفاه الاجتماعي، السكن، وأسكنت جميعهم. أحد هؤلاء الأشخاص هو أنا. لقد قدمت إلى "إسرائيل" بعد قيامها، وحظيت بإشغال منصب رئيس الدولة. في المقابل، لقد ساعد العالم العربي الفلسطينيين لمدة 56 سنة بمليارات الدولارات، وذهبت غالبية هذه الأموال إلى الوسائل القتالية، الدمار والخراب. لقد أسسنا هنا العشرات من البلدات والمدن الإسرائيلية من أجل استيعاب اليهود الذين جاءوا من الدول الإسلامية. العالم العربي أغنى بكثير من دولة "إسرائيل" الشابة، الصغيرة والضعيفة من ناحية اقتصادية، وعلى رغم غناه فإنه لم يقم بإعادة تأهيل ولو لاجئ فلسطيني واحد! لم يزودهم بالحلول التي زودناها نحن لليهود الذين جاءوا من الدول العربية.

والآن أيضا، على رغم مرور 56 سنة من معاناة الفلسطينيين فإن إصلاح أوضاعهم ليس متأخرا ويجب القيام بذلك. يتعين على العالم أجمع أن يتجند من أجل ذلك. وأيضا يجب على "إسرائيل" أن تتجند من أجل إصلاح أوضاع اللاجئين في العالم العربي. أما بالنسبة إلى فكرة عودة اللاجئين إلى داخل أراضي دولة "إسرائيل" السيادية، فلا يوجد حزب أو زعيم إسرائيلي ولا توجد أية جهة سياسية في دولة "إسرائيل" مستعدة لقبول ذلك. من الأفضل أن يستفيقوا من حلم عودة اللاجئين. كان هناك واقع مؤلم وصعب ولا يمكن إعادة التاريخ إلى الوراء. يجب إصلاح أوضاع اللاجئين، لكن لا يمكن إعادتهم إلى داخل دولة "إسرائيل". الحقيقة هي أنه يوجد في "إسرائيل" نحو 20 في المئة من المواطنين العرب ويتمتعون بمساواة في الحقوق. هم لم يهربوا، هم لم يتعاونوا ضدنا طيلة 56 سنة، والحقيقة أنهم اندمجوا بشكل جيد في المجتمع الإسرائيلي ويتقلدون مناصب مسئولة. لا نستطيع إضافة لاجئين إليهم. يمكن استيعاب اللاجئين في مناطق السلطة أو في مناطق الدول العربية. يجب على العالم أن يتجند من أجل ذلك".

لقد اقتبسنا الإجابة كاملة من كلام كتساف حتى تكون الصورة واضحة عند القارئ، ذلك ان ما يقوله هنا يتناقض مع ما قاله في الجواب عن السؤال الأول الذي وجهه إليه مواطن تونسي إذ يقول كتساف في الإجابة: "وصلت إلى هنا "يقصد فلسطين المحتلة" من إيران. تم تهجير عائلتي إلى هناك بعد خراب الهيكل وضياع استقلالنا في حينه. وصلنا إلى هناك قبل مدة طويلة من ظهور المسيحية والإسلام. وقامت عائلتي وآباء أجدادي، لآلاف السنين، بالصلاة للدولة اليهودية وللأماكن المقدسة. ولمدة أكثر من ألفي عام وأكثر، وعلى رغم التفريق بين كل الجاليات اليهودية في جميع أنحاء العالم، فإننا لم نتخل ولو لثانية عن طموح العودة إلى هنا. لأسفي الشديد، استعدنا استقلالنا بتأخير، لكن بفضل الله العام .1948 لو أننا فزنا بذلك في وقت سابق لكنا وفرنا الكثير من المعاناة، العذاب، الطرد، وأيضا الكارثة الرهيبة التي وقعت قبل استقلالنا بثلاث سنوات والتي ذبح فيها ستة ملايين على يد النازيين".

في الوقت الذي يتحدث فيه عن وصول أجداده إلى إيران بعد خراب الهيكل منذ آلاف السنين، ينكر كتساف على الفلسطيني حق العودة إلى أرضه التي هجر منها قبل 56 سنة، ويعتبر أن على الدول العربية ان تتحمل مسئولية حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وفي الوقت ذاته يتحدث عن الطموح اليهودي بحق العودة إلى فلسطين، وهو في ذلك يناقض نفسه إذ كيف سيمتنع الفلسطيني عن الطموح إلى عودته إلى أرضه في الوقت الذي يتحدث فيه الرئيس الإسرائيلي عن الطموح الذي استمر موجودا لآلاف السنين عند اليهود؟

كتساف يعبر عن وجهة النظر الإسرائيلية ككل، وهو من موقعه يتحدث باسم "الإجماع الوطني" كما يقول في المقابلة، وهذا الاجماع الذي يتحدث عنه إنما هو الحقيقة التي يعتقدها جميع الإسرائيليين، وهي موجودة في قوانينهم التي تعطي الحق لأي يهودي في العالم أن يحمل الجنسية الإسرائيلية بمجرد وصوله إلى أي مطار أو ميناء إسرائيلي، وتعطي الحق بمصادرة أي منزل فلسطيني من قبل أي اسرائيلي من دون الأخذ في الاعتبار حقوق الملكية، وهناك قانون إسرائيلي اسمه "قانون أملاك الغائب" الذي من خلاله يمكن مصادرة أي بيت خال حتى وإن كان ساكنوه في نزهة لساعات خارجه! ولذلك عندما يقول رئيس الدولة إن على الدول العربية أن تبحث عن حل لمشكلة اللاجئين فإنه بذلك يعلن موقفا نهائيا من هذه المسألة التي تعتبر جوهر أي حل للصراع العربي - الإسرائيلي، وهي في الوقت ذاته لا تخص دولة عربية من دون الأخرى، لأن التوطين في حال وضع على بساط البحث الجدي فإن الفلسطيني الموجود في أية دولة عربية سيحمل جنسيتها، وهذا الأمر بحث منذ العام 1991 عندما بدأت اجتماعات اللجان المتعددة الأطراف التي انبثقت عن مؤتمر مدريد وقد رفضته الدول العربية حينذاك، لكن ما كان مرفوضا في الأمس يمكن أن يكون مفروضا اليوم نتيجة الحال العربية التي لا تسر عدوا ولا حبيبا.

في الكلام الذي يقوله كتساف الكثير من المغالطات التي لا يمكن اعتبارها مجرد كلام للاستهلاك، فهو يعتبر أن الفلسطينيين الذين لم يغادروا أرضهم العام 1948 هم حصة "إسرائيل" من اللاجئين، ويعتبر اليهود العرب واليهود الذين هاجروا إلى "إسرائيل" من الدول الاسلامية من اللاجئين، فهو يقول: "لقد استوعبت "إسرائيل" في السنوات العشر الأولى من تأسيسها أكثر من مليون لاجئ من الدول الإسلامية". طبعا إن اللاجئين الذين يتحدث عنهم هنا ليسوا مسلمين أو مسيحيين، وإنما هم من اليهود الذين هاجروا إلى "إسرائيل"، وعندما يعتبرهم رئيسها لاجئين فهو هنا ينزع الطابع اليهودي عن هوية "إسرائيل"، وهذا الأمر يحيلنا إلى سؤال: هل المواطن الكامل الأهلية هو فقط الذي جاء من أوروبا؟ إذ على رغم اعترافه انه أحد هؤلاء اللاجئين فإنه في ذلك لم يقدم تبريرا منطقيا بشأن من المقصود بغير اللاجئ الذي هاجر إلى "إسرائيل"؟ أي أن التمييز لا يقف عند حدود الفلسطينيين، بل يطال اليهود العرب واليهود الذين هاجروا من الدول الإسلامية.

ليس في حديث الرئيس الإسرائيلي ما يوحي بالسلام لأنه حسم القضايا الأساسية التي تشكل محور أية مفاوضات، وهو عندما يرمي الكرة في الملعب العربي فيما يتعلق بقضية اللاجئين فانه يقفل الطريق أمام أية مفاوضات حقيقية. ومن هذه النقطة نعود إلى ما أعلنته "إسرائيل" عن نيتها بتدمير ثلاثة آلاف منزل فلسطيني، فإن ذلك يعني أننا أمام موجة تهجير فلسطينية جديدة، أقل ما يقال فيها إنها كارثية الآثار، ليس على الفلسطينيين فحسب، إنما على العالم العربي كله لسبب بسيط جدا وهو أن الدول العربية هي من ستعمل على حل مشكلة الذين دمرت بيوتهم لاحقا. إن "إسرائيل" تقتل وتدمر والعرب يدفعون التعويضات، وهي في الوقت نفسه تحملهم مسئولية عرقلة السلام!

المسألة تحتاج إلى "اينشتاين" أكثر عبقرية من "اينشتاين" ذاته لحل هذا اللغز الذي تتعاطى فيه "إسرائيل" مع القضية الفلسطينية وإلى تفسير مرامي كلام كتساف

العدد 876 - الجمعة 28 يناير 2005م الموافق 17 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً