العدد 876 - الجمعة 28 يناير 2005م الموافق 17 ذي الحجة 1425هـ

المعلوماتية: العاصفة الهادرة وجامعاتنا المتأخرة... متى ننتبه؟

حسن الصحاف comments [at] alwasatnews.com

لفت انتباهي خبر صغير في زاوية من زوايا صحيفة يومية مفاده أن إحدى المؤسسات التعليمية العالية مددت ساعات عمل مكتبتها المعتادة لتواكب حاجة الطلبة للدراسة للامتحانات حتى المساء في أيام الأسبوع وحتى الظهر من يوم الخميس على خلاف الأوقات المعهودة. الخبر في ظاهره المعلن أن المؤسسة التعليمية تقدم خدمة جليلة وذات أهمية لطلبتها وتتيح لهم مصادرها التي تعتقد أنها كبيرة وقيمة جدا من جميع النواحي حتى يستفيدوا منها الاستفادة الأمثل ولكي يوفقوا في الحصول على نتائج طيبة في الامتحانات التي سيخوضون غمارها بعد فترة وجيزة من الزمن؛ غير أن المتفحص المنتبه لحقيقة الخبر يعرف أن هذا الشيء دلالة واضحة على تأخر مؤسساتنا التعليمية في مواكبة العصر: عصر المعلوماتية. وإليكم الدلائل حتى لا نتهم بأننا نتجنى على مؤسساتنا التعليمية الفذة الطامحة إلى التميز في عالم تتصارع فيه الأفكار والأرواح المبدعة ليس فقط من أجل حفنة من البشر بل من أجل البشرية جمعاء!

بداية، ان المعلومات التي تمتلكها تلك المؤسسة التعليمية ولكل التخصصات التي تقدم تعليما فيها متاحة لمن يشاء وكيف يشاء على شبكة المعلومات في كل وقت وفي أي مكان، هذا من جانب وجودها على نطاق واسع ضمن الشبكة. أما عن إمكان وجود هذه المعلومات في بيوت التخصص مثل الجامعات العريقة فحدث ولا حرج؛ جامعات لها وزنها في ميزان التعليم العالي تتيح جميع مصادرها لمن يشاء وكيف يشاء، بل ان غالبية عقولها توفر بعضا من وقتها لمساعدة من يحتاج إلى مساعدة في أي من الموضوعات التي يريد المساعدة فيها حتى وإن لم ينتسب صاحب الطلب إلى المؤسسة التي يعملون بها. في الولايات المتحدة الأميركية فقط 3527 مكتبة أكاديمية، منها ما يفتح أبوابه 24 ساعة يوميا، وبها ما يقارب 950 مليون مجلد يؤمها ما يقرب من 17 مليون إنسان، وتعير 200 مليون استعارة، هذا عدا الوسائط التعليمية الأخرى.

هناك أيضا 9200 مكتبة عامة جميعها تقدم خدماتها الكترونيا بها 300 ألف شاشة متصلة بالإنترنت، بها ما يقرب من 10 ملايين كتاب عدا الأشرطة السمعية والبصرية والمجلات والدوريات والصحف. جميع هذه المكتبات العامة رافد لا يستهان به للمؤسسات التعليمية وبينها كثير من التعاون. ولنلق هنا بعض الأمثلة على بعض هذه المكتبات العامة: مكتبة لوس أنجليس العامة تخدم 4 ملايين نسمة ولها 70 فرعا بها 6 ملايين كتاب، وتعير 14 مليون كتاب وموازنتها السنوية للتزود بالجديد تفوق 10 ملايين دولار.

هناك مكتبة مقاطعة لوس أنجليس كسابقتها، فيما عدا انها تزيد عليها في موازنتها. هناك مكتبات أخرى في نيويورك على القدر نفسه من التمكن والقدرة: مكتبة بروكلين، مكتبة كوينزبرو العامة، مكتبة روتشستر العامة. هناك خمسون مكتبة تتراوح مكوناتها بين مليونين إلى 9 ملايين كتاب، وتخدم شريحة كبيرة من السكان تزيد على مليونين. غالبية هذه المكتبات في مدن كبيرة.

إلى جانب ذلك هناك جماعات تشترك في تخصص معين هي الأخرى تقدم مساعداتها إلى من يطلبها من دون مقابل يذكر في مجال التخصص الذي تشغله ولها مصادرها المتخصصة في جميع علوم المعرفة. في هذا المجال تثير بعض الأرقام انتباهنا: في الفلسفة باللغة العربية هناك ما يزيد على 74 ألف موقع جميعها ذات صلة بالفلسفة بجوانبها كافة، وهناك ما يقرب من 42 مليون موقع في الشأن ذاته بالإنجليزية، إضافة إلى مواقع أخرى بلغات أخرى منها الفرنسية، الألمانية، الإيطالية والإسبانية. أي ان على طالب العلم في هذا الفرع من المعرفة الإنسانية أن يقضي كل حياته في تصفح هذه المواقع! وفيما يرى انه ذا صلة وثيقة بالنسبة إلى تخصصه مع العلم بأن هذا الرقم في ازدياد لحظة بلحظة إلى أرقام خيالية جدا. وهناك 54 مليون موقع عن الرياضيات "المتعة التي يبحث عنها الأذكياء" باللغة الإنجليزية و50 ألفا بالعربية. وهذه المواقع ليست ذات شأن قليل، بل إنها توفر ما لا تستطيع أية مؤسسة تعليمية توفيره لمنتسبيها وتقدم معلومات لا تحوم حول صدقيتها الشبهات. هناك 15 مليون موقع عن الهندسة بالإنجليزية، وهناك 250 مليون موقع له علاقة بالمحاسبة، وهناك 710 ملايين موقع عن إدارة الأعمال، وهناك 194 مليون موقع عن اللغة، وهناك 250 مليونا عن العلوم، وهناك 400 مليون موقع عن الفن، و150 مليون موقع عن الهندسة "إنجينيرينغ" بكل تفرعات هذا العلم، و400 مليون موقع عن التربية وما يتصل بها من علم نفس تربوي وتربية فنية وإحصاء تربوي وخلافه، وهناك 400 مليون موقع عن الكمبيوتر وما يتصل به من برمجة إلى أجهزة وملحقات. وهناك 300 مليون موقع عن التاريخ بجميع فروعه، و22 مليون موقع عن الجغرافيا، و71 مليون موقع عن الاقتصاد، و5 ملايين موقع عن الإحصاء، و70 مليون موقع للدين باللغة الإنجليزية، و900 ألف بالعربية عدا اللغات الأخرى. وهناك ملايين وملايين المواقع في كل شأن من شئون الحياة العلمية والعملية ولكل ما يود أن يعرف عنه الإنسان هذا عدى تلك التي تخص الباحثين الجادين المدققين في المعلومة وصحتها.

هناك إذن فيض من نور يعم العالم ويبدو أنه من طبعنا نحن في البلاد العربية ألا نستفيد من النور الذي يغمر سماءنا وبيوتنا، ويبدو اننا تعودنا على الظلام والظلم حتى ظلم ذوي القربى من المجتهدين المتنورين.

في خضم هذا العالم الهادر من المعلومات لاتزال كثير من مؤسساتنا التعليمية والمؤسسات الأخرى ذات الصلة الوثيقة بالتعليم والتدريب بعيدة جدا ليس فقط عن اللحاق بهذا العالم وعلومه "هناك مليار ومئة وخمسون موقع في رأس الموضوع: المعلوماتية" بل أيضا من الاستفادة من أدواته التي هي من أسهل أدوات المعرفة التي ابتكرها بنو البشر قاطبة وهي رحيمة إلى أبعد حد ممكن أن يتصوره الإنسان من الرحمة وأقصد بذلك انها لا تخيف أبدا سوى بالطبع ذلك الموهوم بالسلطة والتسلط والمتعالم الذي قد تفضح تعالمه.

مدارس ابتدائية في دول متقدمة انتبهت إلى هذه الحقيقة فبادرت إلى تبني هذه التقنية فباتت أفضل من جامعاتنا العربية بالنسبة إلى هذا الموضوع، فمؤسسة تعليمية ابتدائية صغيرة جدا متصلة بعالم من المعلومات ومتاحة لكل طالب وطالبة في كل لحظة من لحظات تحصيلهم العلمي وكل لحظة من لحظات عمرهم تصحبهم عقول ناضجة ترشدهم في كل خطوة يخطونها.

في البحرين، هذا البلد الصغير مساحة ولا يتعدى تعداد سكانه المليون، هناك تأخر في هذا المجال، ودليلنا على ذلك انه في مدن صغيرة في دول أخرى يتجاوز عدد سكانها المليون والمليونين وأزيد، يرتبط جميع سكانها بجميع مؤسساتها بالشبكة ويتم تبادل المعلومات بين بعضهم بعضا بكل يسر وسهولة وينجزون معظم معاملاتهم من خلالها. حاليا أنا مرتبط بأربع شبكات تقدم الكثير من المعلومات التي أحتاج إليها وتلك التي لا أحتاج إليها مطلقا غير انها تزيد من معرفتي، إلى جانب ذلك فإني أتبادل مع من أشاء المعلومات في كل مجال، وهذه الشبكات هي على نطاق عالمي لا تحدها حدود أو تقف في طريقها سدود وهي ليست ملكا لأحد!

دول أخرى تلتفت إلى المعلومات التفاتة كبيرة وتفحص قوانينها المتصلة بهذا الفرع من المعرفة الإنسانية فتصلحه ليناسب هذا التطور، فمثلا "قانون حرية المعلومات" وهو قانون يطبق في دول كثيرة هو الآن في طريقه إلى التشكل من جديد وقد تشكل في بلاد كثيرة بصورة جديدة تواكب العصر وأزيحت جميع القيود المفروضة على المعلومات وأضحت متاحة لمن يشاء حتى تلك التي كان "قيد الزمن" يمنع من نشرها. ففي بريطانيا مثلا تغير القانون الذي يفرض 30 عاما على المعلومات قبل أن تصبح متاحة للجمهور. الآن هي متاحة لمن يطلبها وإن كانت لأشخاص أحياء ونتجت بالأمس القريب فقط. منها ملفات لوزارة الداخلية مهمة جدا وذات صلة وثيقة بالأمن.

قد يسأل البعض عن مدى إمكان استغناء الناس عن المكتبات والاستعاضة بها بالإنترنت وطرقها الواسعة والسريعة. هذه أمنية يتمناها الضالعون في العلم: علم المعلومات، وستتحقق، شئنا أم أبينا! غير انها ستأخذ وقتا طويلا نوعا ما لتتحقق وتتجسد على أرض الواقع، وتحققها يتطلب التفكير الجدي في كيفية تنظيم حقوق المؤلف المادية والمعنوية في عالم سيكون مكان النتاج الفكري في أعلى نقطة في هرم الثقافة والصناعة.

فقط المبدعون الذين يشغلهم تطور الإنسانية لا الكسب المادي هم الذين سيتبوأون المنصات الرئيسية وستلقى إبداعاتهم ترحيبا على مستوى واسع. أما غير ذلك فالأغبرة ستتراكم عليها ويصيبها النسيان. العدد المهول الموجود الآن على الشبكة من نتاج أدبي خارج "حقوق المؤلف" كثير وعظيم ولن يستطيع الفرد الاطلاع عليه مادام حيا.

هناك بعض الجامعات تبنت الأخذ بإنشاء مكتبات افتراضية يستطيع أي طالب في العالم "إذا ما كانت الجامعة كريمة طبعا" أن يحصل على ما يشاء من معلومات عامة ومعلومات ذات علاقة وثيقة بالعلم الذي يدرس.

مشروعات كبيرة هي الآن قيد التجسد على أرض الواقع ستعمل على إتاحة ما عجزت عن تقديمه أعتى الجامعات والمكتبات في العالم من معلومات ليس فقط لقراءتها، بل أيضا للبحث في مضامينها حرفا حرفا والاقتباس منها بشكل مباشر مع وضع المعلومات المصدرية في الهامش من دون أي خطأ يذكر.

هناك طبعا مشروعات عربية رائدة في مجال المكتبات: "مكتبة الإسكندرية" التي افتتحت في 17 أكتوبر/ تشرين الأول ،2002 وهي اتصال عبر التاريخ بمكتبة الإسكندرية للعام 288 ق.م. تلك التي أنشأها "بطليموس الأول" وذلك إثر نصيحة مستشاره ديمتريوس الفاليري، وحوت 900 ألف مخطوط في أوج مجدها يومذاك، ثم ما لبثت أن تلاشت نتيجة الحروب وسيطرة الغوغاء وتفشي التخلف. أما المكتبة العصرية فهي تحفة فنية وعالم كبير من المعارف بمختلف الوسائط المتاحة لعالم المعلومات يتوقع أن تصبح مقتنياتها كبيرة تصل إلى 8 ملايين مجلد، وتستوعب الآن 3500 قارئ؛ مكتبة "المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة" قيد الإنشاء.

هناك ما يقرب من 102 مكتبة عربية عامة أو جامعية تقدم خدمات كثيرة ومعلومات جمة يمكن الاستفادة منها ومعظمها في مصر، الإمارات ولبنان، ومن ثم باقي الدول العربية ليس بينها العراق.

مما تقدم يجب القول إنه بات علينا أن نقدم إلى الطلبة في جميع المراحل التعليمية معلومات عن هذه المواقع العلمية والأكاديمية والعامة، وأن نضع رهن إشارتهم جميع تلك المؤلفات التي خرجت من دائرة "حقوق المؤلف" وأصبحت ضمن دائرة "حقوق الإنسان" أيا كان وفي أي زمان. بات علينا أن نجعل هذه المؤلفات ضمن المنشورات الإلكترونية المتاحة مجانا لمن يشاء. هنا أيضا يأتي دور المؤسسات الخاصة في المساهمة في دفع عجلة هذا المجال بالمساهمة في توفير المواد والآليات.

كلمة أخيرة يجب علينا وضعها هنا، وهي دعوة المؤسسات التعليمية بمستوياتها كافة إلى أن تهدم الأسوار العالية التي تحيط بمنشآتها وأن تفتح قلبها قبل ذراعيها لاستقبال أي طالب علم ينشد المعرفة داخل أروقة مكتباتها ومراكز تعليمها... فلم يعد للأسوار شأن إلا في الدول العنصرية

العدد 876 - الجمعة 28 يناير 2005م الموافق 17 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً