العدد 876 - الجمعة 28 يناير 2005م الموافق 17 ذي الحجة 1425هـ

غدا الانتخابات

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

غدا تبدأ الانتخابات العراقية، وآراء الفرقاء لم تتغير حتى اللحظة. فالمقاطع لايزال على موقفه، والمؤيد كذلك، والمتردد ضائع بين الموقفين، والخائف يفضل السكوت... مضافا إلى هؤلاء هناك فئة لا يستهان بها تتشكل من المتفرجين والقاعدين وغير المكترثين بالعملية الانتخابية كلها.

الانتخابات إذا ستكون من البداية نصف فاشلة ونصف ناجحة. فالفريق المقاطع ليس معزولا وهو في النهاية يتمتع بقاعدة شعبية نسبية تشمل الكثير من المناطق وتتركز سياسيا في أربع محافظات مهمة. والفريق المؤيد ليس قليلا وهو موجود ومنتشر في مختلف المحافظات ويضم هيئات سياسية تنتمي إلى الأطياف العراقية في ألوانها المتعددة.

يبقى الفريق المتردد والخائف والمتفرج. وهذه المجموعات مختلفة الانتماءات إلا أنها في النهاية تحسب على الجهة التي لا تريد الانتخابات أو تفضل تجميدها أو تأجيلها إلى أمد غير معلوم. وهذا الفريق المضطرب في وعيه السياسي وتقديره للأمور موجود في كل دول العالم حتى في البلدان العريقة في تجاربها "الديمقراطية". وعادة يصنف هذا الفريق في الفئات القاعدة أو السلبية التي لا تكترث للحزب أو الجهة أو الفئة التي ستفوز وتعتبر صوتها ليس مهما ولن يغير الموازين والمعادلات وبالتالي يتساوى عندها الذهاب إلى "الصندوق" أو الجلوس في المنزل أو المقهى.

ويصنف هذا الفريق السلبي في كل البلدان في جهة المقاطعين. فهو "مقاطع" دائما مهما تكن الظروف والأسباب والمسببات. ومقاطعته تصنف في لائحة عدم الاكتراث لأنه أصلا لا يثق بأحد ولا يهمه من يفوز ولا من يسقط. فالكل واحد ومختلف القوى سواسية عنده.

إلا أن فريق "المقاطع الدائم" في مناطق جديدة على الانتخابات وسياسة الاقتراع والصناديق يمكن تصنيفه في أطر مختلفة عن ذاك المقاطع الدائم "اللامبالي" في أوروبا وأميركا الشمالية. فالمقاطع الدائم في دول العالم الثالث "أو الرابع" ربما يقاطع لأسباب لها علاقة بالعمل "خسارة وظيفة مثلا" وربما لها صلة بقناعات دينية أو مخاوف ايمانية تقوم على فكرة احتمال الخطأ في اختيار الشخص المناسب أو الأفضل في عملية التصويت وحتى لا يرتكب الإثم يفضل المقاطعة "الابتعاد عن الصندوق". وهناك بعض المقاطعين لا يتوجهون إلى مراكز الاقتراع لأن مجرد الذهاب هو إخلال بمبدأ الزعامة التقليدية وتجاوزها نحو اختيار البديل عنها.

وهذا التيار موجود بقوة في الكثير من البلدان التي لاتزال تتحكم بها العلاقات التقليدية وتسيطر عليها خيارات القبيلة والعشيرة والمنطقة والمذهب والطائفة. فالمقاطع في مثل هذه الزوايا التقليدية يميل نحو الابقاء على الواقع كما هو ويفضل عدم تغييره حتى لا يتخلخل النظام العام الموروث عن الأجداد والأسلاف.

كل هذه الأنواع من المقاطعات نجدها في "النموذج" العراقي المضطرب في اختياراته وتوازناته. وهذا الاضطراب يشير إلى ضعف في بنية العلاقات الأفقية بين شرائح المجتمع وقوة تلك العلاقات العمودية التي تخترق مناطق العراق من جنوبه إلى وسطه وشماله. فالمقاطعة موجودة بقوة وهي ليست كلها ناجمة عن اللامبالاة وعدم الاكتراث بل هي في معظمها نتاج انتباه وتوتر وقلق من ابن البلد الآخر. والآخر المؤيد للانتخابات يتوجه إلى صناديق الاقتراع ليس بسبب وعيه السياسي وتبلور ذهنية "ديمقراطية" في حياته الجديدة وانما كردة فعل مصطنعة وربما نكاية بابن البلد الآخر. والمؤسف، هذا هو جوهر "الديمقراطية" المصنوعة في الخارج التي تسقط بالمظلات على أناس لم يكتشفوا السياسة إلا منذ فترة قصيرة... وبالتالي فإن السياسة لن تكون هي أساس الاختيار أو المفاضلة بين مترشح وآخر أو بين قائمة وأخرى. فالسياسة في بلدان طائفية ومذهبية ومناطقية وعشائرية و"اقوامية" هي مجرد غطاء لألف وجه وقناع. والديمقراطية في هذا المعنى تتحول في مثل هذه البلدان إلى وسيلة لفرز الألوان لا توحيدها. ويرجح أن تتحول الديمقراطية في العراق في حال استمرت سياسات العناد والمكابرة و"النكايات" إلى نوع من الفرز الطائفي والمذهبي والعشائري والقبلي. وبدلا من أن تكون الديمقراطية وسيلة للاختيار والتوحيد تتحول إلى عداد "حاسوب" لتعداد نسبة وزن الطوائف وحجم المذاهب... أي تنحرف الديمقراطية من السياسة إلى العشيرة والقبيلة والمذهب والطائفة.

غدا تبدأ الانتخابات وحتى الآن كل فريق يتمسك بموقفه. وهذا يعني أن القبيلة وتوابعها "مذاهب وطوائف" أقوى سياسيا بينما لاتزال فكرة الدولة في العراق ضعيفة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 876 - الجمعة 28 يناير 2005م الموافق 17 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً