تفرض الظروف الموضوعية نفسها على القطاع الخاص بدخول معترك الحياة السياسية لسببين جوهريين هما تزايد أهمية القطاع الخاص في الاقتصاد البحريني، إذ إن المطلوب من المؤسسات التجارية توظيف المزيد من المواطنين وقيادة النشاط الاقتصادي في المرحلة المقبلة إضافة إلى وجود نوع من العداء للعمل التجاري داخل البرلمان على الأقل حتى هذه اللحظة. تناقش السطور الآتية أهمية مسألة دخول التجار الحياة السياسية لما في ذلك من مصلحة البلاد برمتها.
أولا، تزايد أهمية القطاع الخاص في الاقتصاد: يتطلب مشروع إصلاح سوق العمل بقيادة مجلس التنمية الاقتصادية من القطاع الخاص لعب الدور الرئيسي فيما يخص توظيف المواطنين. فقد افترضت الدراسة التي أعدتها مؤسسة ماكينزي الأميركية المتخصصة أن على الاقتصاد البحريني إيجاد 10 آلاف وظيفة سنويا حتى تتسنى معالجة مشكلة البطالة على أن يتحمل القطاع الخاص عبء المسئولية. واستنادا إلى دراسة ماكينزي يبلغ عدد العاطلين من المواطنين نحو 20 ألفا، ما يعني أن نسبة البطالة تبلغ 16 في المئة. والأسوأ من ذلك تتوقع الدراسة أن يرتفع عدد العاطلين إلى 70 ألفا في العام 2013 ما يعني أن نسبة البطالة سترتفع إلى 35 في المئة في غضون أقل من عقد، الأمر الذي يعني تزايد المسئولية الملقاة على التجار للعمل بجد لغرض إيجاد وظائف جديدة. وتشير آخر الإحصاءات المتوافرة حقيقة إلى أن القطاع الخاص يؤدي دوره في مسألة إيجاد الوظائف الجديدة فاستنادا إلى الأرقام الرسمية تمكن الاقتصاد البحريني من إيجاد 26,688 وظيفة في الشهور التسعة الأولى من العام 2004 غالبيتها العظمى في القطاع الخاص. أيضا يطالب مشروع إصلاح الاقتصاد وهو الشق الثاني من مشروع الإصلاح الاقتصادي الشامل بأن يقود القطاع الخاص العملية الاقتصادية في البلاد عن طريق إقامة المشروعات الحيوية، وهذا ما يحدث حاليا "لاحظ بعض المشروعات الحيوية مثل المرفأ المالي وأمواج".
ثانيا، العداء للتجار في البرلمان: يمكن الادعاء بأن البرلمان الحالي لم يظهر النوايا الحسنة مع التجار على الأقل في السنتين الأوليين من عمره. وعلى سبيل المثال وافق البرلمان على زيادة أيام العطل الرسمية من 13 يوما إلى 15 في السنة من دون النظر إلى تأثيرات ذلك على النشاط التجاري، إذ لوحظ في الآونة الأخيرة أن بعض المواطنين استغلوا فترة العطلات الرسمية المتزايدة والمتكررة للسفر للخارج، الأمر الذي يعني نقل الأموال للاقتصادات الأخرى وخصوصا تلك المجاورة مثل دبي. بالمقارنة يوجد تفاوت ملحوظ في عدد أيام الاجازات الرسمية في دول مجلس التعاون الخليجي، إذ تتميز السعودية بمنحها أكبر عدد ممكن من الاجازات "22 يوما في السنة" فيما تأتي قطر في ذيل القائمة "10 أيام في السنة". أيضا لم يتقدم البرلمانيون بخطط لجلب الاستثمارات للبحرين بل ربما على النقيض تسببت تصرفات البعض منهم في عدم قيام فعاليات أيام المناسبات الكبيرة مثل عيدي الفطر والأضحى. وفي هذه العجالة لا نريد أن نناقش الآثار السلبية المحتملة على الاقتصاد لبعض التصرفات المشينة التي ظهرت من جانب مجموعة من البرلمانيين وتحديدا إثارة النعرات الطائفية.
التجار هم من يفيدون الاقتصاد والبلاد والعباد أكثر من غيرهم وقد وصفهم الإمام علي "ع" بجلاب المنافع، وذلك في رسالة وجهها لواليه على مصر مالك الأشتر. واستوصى بهم خيرا لأنهم من يأتون بالمنافع، إذ يتحملون المخاطر بشرائهم السلع ومن ثم جلبها للبلدان. حقيقة جاءت خطوة التجار بدخول الحياة السياسية متأخرة بعض الشيء نظرا إلى ظهور تصرفات سيئة من قبل بعض البرلمانيين، لكن كما يقال "ما لا يدرك كله لا يترك جله". فخيرا فعل الإخوة التجار عندما قرروا التأثير على نتائج الانتخابات البرلمانية للعام ،2006 وذلك عن طريق دعم المترشحين المتفهمين للمصلحة الاقتصادية للبلاد. فأهلا وسهلا بقطاع جلاب المنافع
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 876 - الجمعة 28 يناير 2005م الموافق 17 ذي الحجة 1425هـ