بدأ منتدى الاقتصاد العالمي اجتماعاته أمس، ولدى المجتمعين "جثة هامدة" وهي منطقتنا الشرق - أوسطية لتشريحها مرة أخرى بعدما شرحوها عشرات المرات سعيا للبحث عن اسباب الأمراض المزمنة التي أدت إلى تحويل منطقتنا من بلدان تسكن فوق بحار من الذهب الأسود كان المفترض فيها ان تتسلم دورا قياديا في الاقتصاد العالمي إلى منطقة مسكونة بـ "الجن"، ومازالت الثقافة التي تحكمها تنتمي إلى العهود التي ربما كان يحكمها "الجن" و"السحرة" الذين يسحرون الناس بحركات بهلوانية ولكنها ليست واقعية ولا ترتبط بتطوير حياتهم اليومية في شيء.
"الجثة" التي سيتم تشريحها ستحتوي على كل الأمراض التي تخلص منها العالم... فهذه المنطقة اقل المناطق تكاملا من الناحية الاقتصادية، بل ان الاقتصادات متضاربة وتلغي بعضها بعضا في كثير من الاحيان. جميع الدول التي تعيش بالقرب من بعضها شهدت ازدياد التجارة البينية "ازدياد في التصدير والاستيراد المتبادل بين دول الجوار" ما عدا منطقتنا التي تشهد انحسارا وانكماشا في هذا المجال. وعليه فقد اصبحت بلداننا أكبر الدول المستهلكة لما تصدره لنا المناطق البعيدة جدا، وفيما لو ازلنا النفط من المعادلة فإننا في سباق نحو حال كارثية، وقع بعضها وسيقع الباقي في اي وقت.
وبما ان بلداننا عجزت عن التكامل الاقتصادي فيما بينها فانها اصبحت بصورة عامة خارج اطار الاقتصاد العالمي، بل انها محتاج "ذليل" يمد يده للعون المستمر.
اما نعمة النفط فإنها تستخدم من اجل تمويل قطاع عام "موظفي الوزارات اساسا" وهيئات تملكها الحكومة "في البحرين يمثل النفط اكثر من 70 في المئة من مالية الحكومة"... وهذه القطاعات العامة اصبحت ثقلا وعبئا يمنع التنمية الاقتصادية. في كل انحاء العالم فإن هذا العبء يقل بينما لدينا يزداد ويزداد.
القطاع الخاص في كل الدول الناجحة له هيبة وله مقدرة عالية لتحريك عجلة التنمية، اما لدينا فهو خائف من الحكومة ويعيش تحت رحمتها ولذلك فإنه لا يجرؤ على طرح رؤيته ولا يجرؤ على النطق بكلمة واحدة تزعج الحكومة لكي لا يخسر "نصيبه" من المناقصات التي تشرف عليها الدولة.
الحكومات في كل الدول الناجحة تعتبر نفسها مسئولة عن "تنظيم" و"تنسيق" الشأن الاقتصادي، وحكوماتنا تعتبر نفسها "مديرة" و"سيدة" و"حاكمة" الشأن الاقتصادي. المسئول في بلداننا هو ايضا التاجر الذي يدخل السوق وينافس المواطنين العاديين، وهو ذاته الذي يصدر القرارات الاساسية والنهائية في الامور التي يتنافس فيها ضد المواطنين. وهذا الوضع لم يتغير كثيرا، على رغم انه حدث تقليل بسيط اليه بعد الانفتاح السياسي في البحرين.
بلداننا التي تنعم بـ "النفط" بدأت تظهر فيها امور لا يمكن ان يتصورها احد. فظاهرة "الفقر" اصبحت لدينا في دولنا الخليجية، وليس في البحرين فقط، وهو أمر لا يمكن تخيله لأن لدينا مصادر الطاقة "النفط والغاز" التي تحرك اقتصاد العالم، فكيف نعجز ان نستخدم هذا المصدر في انتاج نظام تنموي مستديم؟
شعوب أخرى ليس لديها نفط وليس لديها غاز وليست لديها اية ثروات طبيعية، ولكن شعبها يعيش افضل من شعوبنا بمرات عدة والفقر يكاد يكون معدوما بسبب توافر "الضمان الاجتماعي" لكل من لا يعمل...
"الجثة الهامدة" مازالت على طاولة التشريح في "دافوس" حاليا ولعلنا نسمع من الذين يحضرون جلسات التشريح بعض الأجوبة
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 874 - الأربعاء 26 يناير 2005م الموافق 15 ذي الحجة 1425هـ