أربعة أيام تفصل العراق عن الانتخابات التشريعية، وحتى الآن تبدو الامور ذاهبة على خطين: الأول الفوضى الأمنية الشاملة، والثاني إعادة ترتيب الأوراق السياسية ضمن اطار تسوية تاريخية بين اطياف المجتمع.
هناك تنافس بين فوضى الأمن وترتيب السياسة وتبدو الغلبة تميل نحو عقد الانتخابات في ظل اجواء مشحونة بالغضب والمقاطعة ومخاوف تتعلق بمستقبل الدولة. فاصحاب الرأي الراجح يدركون ان الانتخابات لن تكون مثالية وستعقد في ظل الاحتلال ورقابته وحساباته الخاصة إلا انهم يتخوفون من التأجيل حتى لا يتحول إلى سابقة تتذرع بها واشنطن لمنع حصولها نهائيا مستخدمة الذرائع نفسها وهي: الفوضى الامنية.
الانتخابات ستحصل كما هو مرجح. وفي حال حصولها فمعنى ذلك ان القوى السياسية حرمت الاحتلال من امكانات التملص منها ولكنها ربما تكون وضعت نفسها في اطار مواجهة امنية مشمولة برعاية واشنطن. فالفوضى الامنية في نهاية المطاف تعطي "شرعية" يحتاجها الاحتلال، وتعطيه الذريعة لتغطية وجوده العسكري ودفع التعارضات الاهلية نحو التناحر وتعطل المقاومة الوطنية.
الولايات المتحدة ليست بعيدة عن الفوضى الامنية لانها تقلل من امكانات تركيز المقاومة ضرباتها على قواتها وتشتت الوحدة إلى تيارات غير متفقة على هدف سياسي موحد. فالزرقاوي "والمنظمات السرية المشبوهة" يركز معركته ضد ابناء الشعب العراقي وهو يدفع بهذا الاتجاه لحرف الانتباه عن الاحتلال. والجلبي مثلا بدأ يروج لفكرة إقليم خاص لمحافظات الجنوب مثيرا الجدل بشأن توزيع الحصص والمغانم وثروة البلاد النفطية. وواشنطن ترتاح لمثل هذه الطروحات لانها تستفيد منها لتغذية وجودها في العراق وتقدم قواتها المحتلة كضمانة لمنع الاقتتال الاهلي والحد من احتمالات تقسيم الدولة.
حاولت الولايات المتحدة تأجيل الانتخابات وبحثت عن مخارج شرعية تعطيها ذريعة للتملص من موعد 30 يناير/ كانون الثاني وحين فشلت في مسعاها دخلت على خط تفخيخ الوحدة الوطنية من خلال اللعب على التعارضات الاهلية للبلاد. فعدم اتفاق الاطياف السياسية على المقاطعة او المشاركة أو التأجيل يخدم الاهداف الاميركية لأن الاختلاف يعني ان البلاد تمر في تجاذبات اهلية سلبية تمنع الاتفاق على حكم وطني مشترك. وهذه النهاية المحزنة اذا حصلت تعتبر كافية لواشنطن حتى تتخذ منها وسيلة للبقاء ورفض الانسحاب.
الآن وبعد ان فشلت خطة تأجيل الانتخابات بدأت الولايات المتحدة تعمل على تفريغ الهدف السياسي منها وتفريع مواقف الاطراف الوطنية إلى سياسات تتنافس على كل شيء وتتناسى أن الاحتلال هو مصيبة كل العراقيين.
يرجح ان تعقد الانتخابات الا انها ستحصل في ظل اجواء مشحونة بالتوتر الامني الذي يراد منه تعطيل السلطة التشريعية المناط بها لاحقا التفاهم على دستور وطني للعراق واتخاذ قرارات حاسمة تتعلق بشأن جدولة انسحاب الاحتلال وضمان مستقبل البلاد من الانهيار والتفكك.
لاشك ان هناك كوابح كثيرة تمنع حصول مثل هذا الاحتمال الكارثي اهمها بروز دور هيئة علماء المسلمين كقوة ضاغطة على التطرف المجنون والاهوج وكتيار معتدل يدرك ان العراق لا يمكن ان يستمر من دون جسور سياسية مع مختلف الاطياف.
هيئة علماء المسلمين ضمانة سياسية للعراق حتى لو افترقت في بعض توجهاتها مع الجهات المعنية بوحدة البلاد. والهيئة تعتبر في هذا المعنى الوجه الآخر والمكمل للمرجعيات الشيعية وتحديدا السيد علي السيستاني. فالمرجعيات نجحت حتى الآن في ابطال مخططات استدراج الردود على الضربات المشبوهة التي ارتكبتها تلك المجموعات المجهولة الاسم والعنوان ضد المؤسسات والمراكز الدينية المسيحية والمسلمة. فالنجف الممثلة في مرجعية السيستاني تدرك ان الرد يعني دفع البلاد نحو الفتنة الاهلية وهذا ما يريده الاحتلال الذي يشجع على الدخول في مثل هذا الاحتمال المدمر.
مرجعية السيستاني عطلت على المجموعات المشبوهة استدراج البلاد نحو الفتنة "الرد على الهجمات" كذلك استنكار هيئة علماء المسلمين لتلك الافعال الهمجية اسهم في فرز الالوان ومنع على الاحتلال استغلال الحوادث لمصلحة مشروعه التقويضي. فالاستنكار كشف الغطاء عن تلك المجموعات المجهولة الهوية والمنشأ وعطل على الاحتلال سياسة "فرق تسد".
اربعة ايام تفصل العراق عن الانتخابات والجهود تتدافع بين راغب في عقدها ومهدد في تعطيلها، وحتى الآن لاتزال الرؤية غير واضحة بين خط الفوضى الامنية وخط سياسة ترتيب الاوراق تحت مظلة الوحدة الوطنية
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 873 - الثلثاء 25 يناير 2005م الموافق 14 ذي الحجة 1425هـ