على رغم ما عرف عن اليهود من تخصصية عالية في المجال المصرفي، حتى يقال إنهم ملوك هذا الجانب، لم تجد "إسرائيل" إسرائيلي الجنسية لتعينه في منصب محافظ البنك المركزي إلا اليهودي الأميركي الجنسية ستانلي فيشر، الذي استقطبته من شركة استثمارية دولية ليحتل هذا المنصب الحساس في الدولة. ومع الاستغراب الشديد الذي أبدته الأوساط المالية السياسية في الكيان المحتل، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون، مضى في قراره، على رغم أن فيشر لا يحمل الجنسية الإسرائيلية، ولم يصغ إلى أعضاء من الكنيست الإسرائيلي الذين قالوا - ساخرين - إن المستقبل قد يحمل ملامح تعيين رئيس وزراء أو وزير مالية يحملان الجنسية الأميركية، على اعتبار أن شغل منصب مهم جدا في الدولة "يمس القيم الصهيونية"، كما قال عضو الكنيست أفراهام بوراز. كما لم يلتفت شارون إلى التلميحات باستقالة موظفين مهمين فيما لو تم تعيين فيشر في هذا المنصب.
إلا أن خلاصة يمكن الخروج بها من هذا الموقف، وهي أنه إذا تعذر على الحكومة إيجاد الشخص المناسب ليحل في المكان المناسب، فعليها أن تسند الأمر إلى من هو قادر على إدارة الجهة، سواء كان مصرفا مركزيا، أم دائرة صغيرة في وزارة، ليقوم به خير قيام، بغض النظر عن الجنسية في بعض الأحيان، وذلك خير من أن تناط المسئولية بمواطن لا يعرف كيف يسير الأمور، وبالتالي تتوالى الخسائر والتعثر فقط لأنه "ابن البلد"، فالكفاءة لا وطن لها ولا جنسية.
هذا لا يعني أن تكون الواقعة الإسرائيلية تبريرا لبعض الحكومات العربية - والخليجية منها على وجه الخصوص - لكي تحل الأجانب محل المواطنين في المناصب، ولكنها تشير إلى أن الحكومات الديناميكية اليوم باتت أقرب ما تكون إلى الشركات، فهناك جهات رقابية ومحاسبية تلهث وراءها لتقيس إنجازاتها، فإن اختارت التضحية بالكفاءة في سبيل حسابات أخرى، فعليها أن تستعد للمقصلة السياسية في عالم لا يرحم
إقرأ أيضا لـ "غسان الشهابي"العدد 872 - الإثنين 24 يناير 2005م الموافق 13 ذي الحجة 1425هـ