العدد 871 - الأحد 23 يناير 2005م الموافق 12 ذي الحجة 1425هـ

هل الحكومة مذنبة... حتى تثبت براءتها؟

محمد حسن العرادي comments [at] alwasatnews.com

أعتقد أن عنوان هذا المقال سيستثير عددا من القراء وخصوصا المشتغلين في السياسة، لكنني اتطلع لأن يكون هؤلاء على غير عجلة من أمرهم، وأن يعطوا أنفسهم الوقت اللازم لمناقشة هذه الفرضية، بعيدا عن الاستفزاز المباشر وردات الفعل العنيفة.

بداية أود الإشارة إلى أنني غير معني بالدفاع عن الحكومة من قريب أو بعيد، ذلك لأن لدى الحكومة الكثير من الوزراء والمسئولين والصحافيين والمثقفين المتعاطفين معها، والساعين للترويج لمشروعاتها والدفاع عن خطواتها الصائبة أو المخطئة، لكن ما يهمني هنا هو إثارة بعض الأسئلة المهمة، ومن ثم البحث مع القراء الأعزاء عن إجابات مناسبة لها!

لماذا نقوم بالتشكيك في كل ما يأتي من قبل الحكومة، لماذا نسعى دائما إلى مواجهة معظم مشروعاتها بعنف وبنوع من التصعيد والاستفزاز، حتى يخيل إلى كل المتابعين أن نوايا الحكومة لا يمكن أن تكون حسنة البتة، وإذا افترضنا أن هذا الاتهام صحيح، فهل نحن من دعاة المحاسبة على النوايا؟ بكل تأكيد ليس من الإنصاف أن نقبل بذلك، إذا لماذا نرضى للآخرين ما لا نرضاه لأنفسنا؟

البعض منا سيقول إن الحكومة لم تقدم خلال الـ 30 سنة الماضية أي قانون عليه القيمة! بل إنها كانت على الدوام تبحث عن القوانين القاسية التي تزيد من قبضتها وسيطرتها على الناس، وأنها كانت دائما تمارس سياسة كبت الحريات وتعمل على مصادرتها، ولن يجد هذا البعض أية صعوبة في سوق الكثير من الأدلة، معتمدا على لغة الأرقام والحوادث المعروفة للعامة، كأن يتحدث عن مستوى الفقر والتمييز الذي خيم على البلاد وحرم الناس من أبسط حقوق المواطنة التي أقرتها الدساتير والمواثيق المحلية والدولية، ثم سيشير إلى تعليق بعض مواد الدستور وحل المجلس الوطني السابق، والاستفراد بكل السلطات مجتمعة من دون مسوغ.

وسيضيف إلى ذلك الأوضاع السيئة التي خلقها قانون ومحكمة أمن الدولة طوال العقود الثلاثة الماضية، تلك الأوضاع التي أدت إلى سقوط عشرات من الشهداء، ومئات من المطاردين والمنفيين، وآلاف من المعتقلين والموقوفين في ظروف قاسية جدا وغير إنسانية، علاوة على النسب العالية للبطالة والفساد الإداري والمالي التي كانت كلها بسبب القرارات العرجاء والقوانين غير المنصفة التي كانت الحكومة تصدرها وتفرضها على البلاد، ضاربة عرض الحائط بكل الاعتراضات التي تبنتها التيارات السياسية والقوى الشعبية بمختلف ألوانها وتشكيلاتها.

ومن دون شك فإن لدى من يتبنى هذا الرأي كل الحق في توثيق قراءته وملاحظاته عن تلك الفترة الحالكة السواد، ثم التعبير عن مخاوفه من توطين هذا السلوك الخاطئ، خصوصا وهو يرى أن كثيرا من المسئولين عن هذه الحوادث والتصرفات لايزالون في مواقعهم! وهنا نجد أن علامات استفسار كبيرة ستطرح بقوة من قبيل:

هل يستطيع من ساهم في إدارة مراحل القمع أن يقود مراحل الديمقراطية؟ هل يستطيع من تسبب في الفساد الإداري والمالي، وساهم في تكديس الآلاف المؤلفة من العاطلين، وقام بحماية المتنفذين المتسببين في التمييز والفقر الذي قاد البلاد إلى المزيد من الفوضى والتجاذب العنيف بين الحكومة وبين المطالبين بالتغيير والإصلاح والانفتاح السياسي، أن يقود بالأدوات نفسها عملية الإصلاح والانفتاح المطلوبة بروح عالية من الشفافية؟

حسنا، دعونا نتفق على أن كل ما حصل في الماضي هو مدعاة للقلق والحذر، وربما التخوف من تكرار بعض الفصول المأسوية التي تسببت في تباطؤ و تراجع الحريات العامة، لكن سؤالا آخر يفرض نفسه: هل المطلوب منا أن نتوقف عن العمل على التغيير بكل الطرق السلمية، وبالتالي العزوف عن المشاركة في خلق ظروف أفضل للعمل الوطني؟ هل نحن مطالبون بالارتهان للماضي بكل تفاصيله، لدرجة تجعلنا في توتر دائم ونظرة تشكك في كل شيء؟ هل نحن مطالبون بأن نتعامل مع كل ما يأتي من طرف الحكومة برفض تام وروح من التحدي، وبالتالي يستمر شد الحبل بين الطرفين إلى درجة قد تفاقم من الكوارث والتراجع في مستويات التنمية والحريات العامة؟!

الحكومة تقدم كل يوم قوانين وبرامج، قد لا تتناسب مع المرحلة التي نعيش، دعونا نحافظ على توازننا، ونبتعد عن التعامل بردات الفعل القوية، التي قد تحرفنا عن المسارات الأخرى التي قد تكون أكثر إلحاحا. هل من الممكن أن نعالج مثل هذه القضايا بشيء من التروي؟ نحرص على تبيان وجهات نظرنا، نعبر عن امتعاضنا بطرق هادئة، نبادر إلى فتح قنوات الحوار بعيدا عن الانفعال أو اللجوء إلى لغة التحدي، التي تبادر غالبا إلى التحشيد والتلويح بالعرائض والمسيرات والاعتصامات!

في تصوري أن شروط وقوانين اللعبة قد تغيرت، ذلك أن لاعبين جددا قد دخلوا على الساحة، وعليه فإن جميع الأطراف مطالبة بأن تتكيف مع القوانين والموازين الجديدة، وسواء اقتنع البعض بوجود أطراف جديدة لها مصالح وأجندة خاصة، أم فضل الانتظار حتى تتضح الصورة أكثر، لكي يتخذ الموقف المناسب، فإن من المهم أن يكون تعاملنا جميعا مبنيا على أن أحدا لا يستطيع أن يجرنا إلى ردات فعل غير مدروسة وفي أوقات غير مناسبة، لسنا نحن من يدفع ثمنها.

لقد شاهدنا أكثر من تغيير وزاري خلال السنوات الأربع الماضية، وأعتقد جازما أن هذه التغييرات أكثر من تلك التي حدثت خلال السنوات الثلاثين التي سبقت مجيء الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وحتى لو كانت هذه التغييرات ليست بمستوى الطموح، فإنها تعبر عن رغبة واضحة في التغيير نحو الأفضل، وهي بحاجة إلى المزيد من الوقت حتى تصبح نهجا يتواكب مع التوجهات الإصلاحية، لكنها في جميع الأحوال تصب في صالح التغيير والتجديد.

إن أمام الحكومة الجديدة ملفات كبيرة وساخنة، وهي مطالبة بالتعاطي معها بصورة مناسبة لتقدم بذلك المبررات المفهومة لهذا التغيير الذي يسير بطيئا في كثير من أوجه الحياة اليومية سواء على المستوى الاجتماعي أو المستوى السياسي، مع ملاحظة أن خروج بعض الوزراء المخضرمين وبعض الوزراء الذين كانوا موقع استجوابات ومساءلة نيابية تعزز من فرص التغيير نحو الأفضل، ومن بين الخطوات التي ينتظرها الكثير من المواطنين والمراقبين في هذا البلد، تعزيز مستوى الشفافية في المؤسسات الرسمية وزيادة فرص التواصل والحوار بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني وقواه السياسية، بما يساهم في تخفيف الاحتقانات والتوتر الذي يزيد من نظام "في مكانك راوح".

وللتدليل على أن التغيير القادم هو في جوهره تعزيز للشفافية وتخفيف للإحساس بالغبن والمحسوبية الذي يعاني منه كثير من المواطنين الذين لا يجدون عملا ملائما أو منزلا لائقا، ويشعرون بأن التمييز والمحاباة هما الأساس في التوظيف والترقي والحصول على الخدمات، فإن الحكومة مطالبة بإجراء تقييم حقيقي في مختلف وزاراتها ودوائرها الرسمية، يتم بعده تصحيح الأوضاع الخاطئة ومعالجة حالات الفساد الإداري والمالي المستشرية في كثير من المواقع الحكومية، ومن ثم إبعاد الأشخاص المتسببين في نشر هذه الأمراض التي تصيب الوطن في مقتل.

نعم، نحن بحاجة إلى إبعاد كل العناصر التي تعزز الطائفية والبغضاء بين أبناء الوطن الواحد، مطالبون بتعزيز روح الانتماء والشعور بالمسئولية، ونشر مفاهيم جديدة للتعامل مع الوظائف العامة فهي ليست وقفا على المسئول الفلاني أو المستشار العلاني، بل هي مواقع يخدم فيها الوطن بأمانة وإخلاص، من خلال وضع الشخص المناسب في المكان المناسب دون النظر إلى اسمه أو لقبه أو مذهبه أو جنسه أو لونه أو عرقه، فالجميع أمام الوطن سواء.

إنها فرصة لكي تراجع الحكومة الكثير من قراراتها وإجراءاتها، وأن تسعى لتعديلها بهدف تعزيز المواطنة وخلق المزيد من التجانس والتناغم بين أبناء الشعب والوطن الواحد، كما هي فرصة مناسبة للتيارات المعارضة في البلاد لتعيد تقييم الأمور وتبني مواقف وقرارات جديدة مع الحكومة الجديدة، حتى ولو كانت تنظر إلى هذه الحكومة بأنها حكومة تدوير وليست حكومة تغيير، لأن كثيرا من المواطنين بحاجة إلى فترة يلتقطون فيها الأنفاس، كما أن الوطن أيضا بحاجة إلى فترة هدنة علنا نستطيع خلالها أن نعالج ما عجزنا عن معالجته في أوقات التوتر

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"

العدد 871 - الأحد 23 يناير 2005م الموافق 12 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً