العدد 871 - الأحد 23 يناير 2005م الموافق 12 ذي الحجة 1425هـ

... المعركة مستمرة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

واصل الرئيس الأميركي جورج بوش ترداد صدى خطاب القسم في سلسلة لقاءات وتصريحات إذاعية كرر فيها مقولاته التبشيرية التي تتحدث عن "المطلقات" و"الكليات"، زاعما أن مصير الحرية في الولايات المتحدة يرتبط إلى حد كبير بمدى انتشارها واتساعها في الخارج، ومؤكدا أن الحرب على الطغيان في منطقة "الشرق الأوسط الكبير" شرعية، "لان قتال الإرهابيين في الخارج" أفضل من الاضطرار "إلى محاربتهم داخل البلاد".

المعركة إذا مستمرة ولا جدال فيها بحسب كلام الرئيس الأميركي الذي ابدى اعجابه الايديولوجي بأفكار الكاتب الصهيوني المتطرف ناتان شرانسكي المعروف بدعواته إلى استخدام المزيد من العنف ضد الشعب الفلسطيني.

مفاهيم بوش ساذجة وسطحية، ولأنها كذلك فهي تملك قدرات خاصة على اختراق الطبقات الشعبية وتشعلها بالتوتر والحماس والتهور. فالبساطة أو تبسيط الأفكار هي سياسة درج عليها القادة "الكبار" أو "العظماء" لإثارة النعرات والعصبيات بغية استغلالها عاطفيا وإعادة توظيفها في مهمات "رسالية" انتدبت أميركا نفسها للقيام بها نيابة عن العالم وضده في الآن. فهذا الفكر هو خليط من تقاليد رعاة البقر "الكاوبوي" وايديولوجيا تروتسكية يسارية مهزومة وعنصريات دينية "مسيحية - صهيونية" يضاف إليها "جنون العظمة"، وهي في مجموعها تفاهات تراكمت من نفايات الصناعات الحربية التي انتكس دورها بانهيار "الحرب الباردة" وخروج الاتحاد السوفياتي السابق من التنافس الدولي والتسابق على التسلح.

أفكار بوش عن "الحرية" و"الطغيان" مسطحة ولكنها خطيرة لأنها تستدرج العالم إلى مواجهات دموية تزعزع استقراره وتعزز الفوضى وتدفع الدول نحو المزيد من الانقسام والتخلف والعودة إلى الوراء. فمثل هذه الحروب المفتعلة لا تعزز الاستقرار ولا تساعد على نشر "الحرية" و"الديمقراطية" ولا تهدف إلى تحقيق "الإصلاح" لأنها أصلا تقوم على فكرة "الدمار الشامل" و"تحطيم البنى التحتية" وتركيب سلطات محلية مأمورة وتابعة لمصالح الشركات الحربية الكبرى التي تخطط للحروب وتنظمها لتحقيق الارباح الطائلة. وما حدث في العراق وأفغانستان هو الدليل الواضح على أن النتائج المرجوة هي المزيد من التفكك والكثير من الفوضى وترك الحاجات الحياتية "من مياه وكهرباء ومدارس ومستشفيات" عرضة للتلف.

هذه الايديولوجيا البلهاء ليست ساذجة كليا فهي مصنوعة أصلا لتغطية تلك الحروب الدموية بإطار مصفح من الكلام الذي لا يفيد في النهاية نظرا لضحالة منطقه. فهذه الايديولوجيا لها وظيفة سياسية وهي توليد طاقة "شعبوية" توفر الوقود البشري للصناعات الحربية. فبوش وزمرته "تشيني، رامسفيلد، وولفوفتز، وفيث" يشكلان القوة الضاربة لتلك الصناعات العسكرية في البيت الأبيض ويفتحان لها الدروب لضرب الدول الضعيفة التي تخاف من شعوبها ولا تثق بإمكاناتها وقدراتها.

بوش لم يحارب حتى الآن دولة قوية وكل بطولاته جرت في مسارح دول من السهل اجتياحها والسيطرة عليها وتبين لاحقا أنه من الصعب احتواء مجتمعاتها وفرض شروطه عليها.

المسألة إذا اصطناع بطولات وهمية تعزز تلك الايديولوجيا البلهاء وتعطي الذرائع للصناعات الحربية لتطوير انتاجها وتوسيعه لاستكمال السيطرة على حلقات الاقتصاد الأميركي. فبوش وزمرته في النهاية يمثلان تلك الصناعات وتوابعها في إدارة رهنت مستقبل أميركا بمجموعة مؤسسات عسكرية كبيرة لا يتجاوز عددها عشر شركات.

هذه الشركات هي أكثر المؤسسات الأميركية استفادة من فترة بوش الأولى وتحديدا من الحربين على أفغانستان والعراق. وتضغط هذه الشركات الآن من خلال اللوبيات في الكونغرس لتمرير موازنة لتمويل الاحتلالين تصل إلى مئة مليار دولار "80 مليارا للعراق و20 مليارا لأفغانستان". وكانت تلك الشركات نجحت في السنوات الثلاث الماضية في توظيف مليون و341 ألفا من القوة البشرية العاملة في الصناعات الأميركية وحققت أرباحا فاقت 127 مليارا.

إنها حرب اقتصادية تقوم على فكرة الدمار الشامل لنهب الثروات والخامات، وتحتاج إلى ايديولوجيا لتبرير استمرارها وتأمين الذرائع لها. وكلام بوش الساذج والسطحي هو الوقود لتحريك تلك الآلات الصناعية الحربية. وهو كلام لا يقال إلا للتغطية على أفعال شنيعة يخطط لها.

المعركة إذا مستمرة، وساعة التوقيت بيد واشنطن

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 871 - الأحد 23 يناير 2005م الموافق 12 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً