لم تكن والدة زياد تعلم أن المثالية التي كان يتصرف بها ابنها سببها احساسه بالقلق والذنب. وما قام به زياد يعد تصرفا طبيعيا بالنسبة إلى شاب مراهق يستخدم المثالية وسيلة ليواجه بها احساسه بالقلق... لكن الأم علمت بذلك عندما قرأت كتابا عن ملامح مرحلة المراهقة. إذ علمت أن المراهق يستخدم عدة وسائل ليهرب بها من مواجهة انفعالاته الداخلية فقد يتجه إلى المثالية في سلوكه لكي يواجه احساسه بالقلق لأنه يمارس العادة السرية في الخفاء فيشعر بالذنب... ولكي يتجنب التفكير فيما يفعل فهو يبالغ في مثاليته. وقد تصل المثالية في سلوكه إلى درجة تؤثر على انتاجه أو صحته... أو يحرص على أن يتقن عمله إلى الحد الذي يتعطل فيه العمل نفسه.
أما اتجاه المراهق إلى النشاط الزائد وعدم الاتزان فهو أيضا وسيلة ثانية يهرب بها المراهق من انفعالاته الداخلية... فنراه لا يستقر في مكانه... ولا ينتظر دوره حتى يأذن المعلم له بالكلام في الصف أو يطلب من المدرس الذهاب إلى الحمام... أو يتحرك كثيرا في مقعده... وهنا على المدرس ووالديه ألا يطلبوا منه أن يوقف ذلك النشاط الزائد لأنه سيزداد لديه أكثر... والحل هنا أن يساعدوه على الخروج من دائرة القلق هذه بأن يمارس رياضة أو هواية معينة أو يقوم بزيارة أحد أصدقائه.
أما الوسيلة الثالثة فهي الهروب إلى الخيال وأحلام اليقظة لأن المراهقين يستخدمونها للهروب من مواجهة انفعالاتهم النفسية إذ يهربون من خلالها من رغباتهم الجنسية التي يحرمها الدين... فيحلمون بأنهم أبطال لألعاب القوى أو للفروسية أو أنهم يعيشون مغامرات عاطفية... أو كل ما يتمناه الواحد منهم ولا يستطيع الحصول عليه في حياته اليومية.
لكن المراهق أيضا قد يتجه إلى طرق ايجابية ليواجه بها انفعالاته مثل ممارسة الرسم أو كتابة الشعر أو الموسيقى... عندئذ علينا بصفتنا آباء أن ننمي لديهم هذه الميول لأنها ستساعدهم على التكيف مع رغباتهم فيتغلبون على الكثير من مشكلاتهم الانفعالية... هذا إلى جانب ما سيكون له من تأثير على قدرات هؤلاء المراهقين فيصبحوا شخصيات ايجابية وانتاجية تعمل على تطور المجتمع من خلال مواهبها.
ويعد أسلوب التقمص وسيلة رابعة لدى المراهقين في سن الدراسة الاعدادية والثانوية للهروب من انفعالاتهم الداخلية في هذه المرحلة... فنرى بعض التلاميذ يتقمصون شخصيات بعض مدرسيهم من الجنسين... ويتعلقون بهم تعلقا انفعاليا عنيفا... فيحاولوا أن يتقربوا إليهم بأية طريقة فيقدموا لهم الهدايا أو يقدموا لهم خدمات مختلفة... مثل حمل الحقيبة... او تقليدهم في حركاتهم أو طريقة ارتدائهم ملابسهم... وأحيانا ينغمس المراهق أو المراهقة أكثر في أحلام اليقظة فيتصور أن مدرسه بطل هذه الاحلام... وطبعا يعوق ذلك النوع من التفكير شخصية الطالب المراهق من النمو نموا سليما... لذلك يجب على المدرس ألا يشجعه على ذلك التفكير... ولكنه أيضا لا يوبخه أو يؤنبه... بل عليه أن يوجهه ويرشده إلى أن تقديره له سيكون بحسب اجتهاده في أداء واجباته الدراسية... ويستطيع المدرس هنا أن يتتبع التلميذ في سيره الدراسي كوسيلة يحاول بها أن يحول انتباه هذا الطالب عنه إلى الاهتمام بعمله الدراسي.
قد يلجأ المراهق أيضا أحيانا إلى التأخر في الدراسة لا شعوريا كوسيلة خامسة لكي يتغلب على حال القلق الشديدة التي يشعر بها... فلا يستطيع التركيز في دراسته... فيتأخر دراسيا مهما كانت درجة ذكائه... والخطورة هنا تكمن في أن تستمر هذه الحال لدى المراهق الذي يعاني من اضطرابات انفعالية منذ سنوات الطفولة فيتمادى في تأخره ويفشل في دراسته ويتركها... وهنا يكون الواجب على الآباء مساعدتهم لحل مشكلاتهم الشخصية أولا لا أن يتجهوا فورا إلى اعطائهم دروسا خصوصية لتقويتهم.
العزلة والانطواء تعد أيضا وسيلة سادسة يستخدمها المراهق ليتخلص من القلق لديه، لكن أكثر المراهقين ينعزلون عن المجتمع فترة مؤقتة ثم يعودون إلى حالهم الطبيعية ويصبحوا اجتماعيين... لكن الخطورة هنا أيضا تكمن في استمرار حال الانطواء لدى المراهق لدرجة تجعله من الصعب الخروج منها... حتى أنها قد تتحول إلى مرض نفسي وعقلي... والحل العملي لهذه المشكلة يرتكز على أهمية إحاطته بالحب والاهتمام من المحيطين به ليخرج من عزلته
إقرأ أيضا لـ "سلوى المؤيد"العدد 869 - الجمعة 21 يناير 2005م الموافق 10 ذي الحجة 1425هـ