العدد 869 - الجمعة 21 يناير 2005م الموافق 10 ذي الحجة 1425هـ

العودة الى القرار ...1559 من وجهة نظر لبنانية بحتة

حسين احمد Hussain.Ahmed [at] alwasatnems.com

يعود الحديث عن القرار الدولي 1559 الخاص بلبنان بكثرة هذه الايام، ولقد تعاطت الدولة اللبنانية مع القرار وبأركانها كافة من منظور عاطفي من دون الغوص في مفاعيله، وأقلها إفراغه للدستور اللبناني من محتواه، وتقويض اتفاق الطائف الذي هو الآن أصلا في حال احتضار اذا لم تتخذ خطوات فعلية لاعادته الى نشاطه. ولقد رأينا كيف ان الرئيس الفرنسي جاك شيراك أعلن أخيرا عن موت اتفاق الطائف، وكيف ان الولايات المتحدة الاميركية ضربت بعرض الحائط الدستور اللبناني عندما أخذت تتحدث عن ضرورة اجراء انتخابات لبنانية حرة، وأخذت تضع، عبر سفيرها في لبنان، مواصفات هذه الانتخابات.

إن القرار المشار اليه اعلاه ينطوي على خطورة أبعد بكثير من الخوف على العلاقة اللبنانية السورية فيما إذا خضعت كل من الدولتين للقرار، اذ هو يتصل مباشرة بقضية السيادة اللبنانية من خلال الفرض على لبنان العودة عما تحقق في الاعوام التي تلت تنفيذ بعض اتفاق الطائف، والذي تحول معظم بنوده الى مواد دستورية باتت ملزمة لكل الاطراف اللبنانيين على اختلاف توجهاتهم السياسية والدينية والعرقية، وباتت أساسا في العمل على بناء دولة حقيقية مستقرة على فلسفة واضحة لهويتها الوطنية بابعادها الوطنية والقومية والدولية.

واذا كان اعتبر الطائف في العام 1989 المنصة التي ينطلق منها لبنان الى بناء الدولة والمقدمة الضرورية لاشاعة السلم والاستقرار بين اللبنانيين، فانه بات الآن بحاجة ماسة الى تفعيل وتطوير من خلال العمل على تطبيق بنوده كافة، إلا ان الطائف ليس هو مجال حديثنا الآن، وان كنا نستند اليه في مجمل الحديث ذلك لان القرار ،1559 الذي عبره استذكر مجلس الأمن جملة من القرارات الدولية، إذ يقول القرار في مقدمته: "ان مجلس الأمن اذ يستذكر قراراته السابقة حول لبنان وخاصة القرارات 425 و426 و520 والقرار 1553".

ان استذكار مجلس الأمن لهذه القرارات وخصوصا القرار 425 يعني ان المجلس بات معنيا بحل معضلة الاحتلال الاسرائيلي لجزء من الاراضي اللبنانية وليس تلك التي يدور الحديث عنها الآن فقط، أي مزارع شبعا، وانما هناك القرى السبع اللبنانية المحتلة منذ العام 1948 وهذه القرى اذا اخرجت من المعادلة تعني تهديدا خطيرا للوحدة اللبنانية، ذلك لأن أبناء هذه القرى يحملون الجنسية اللبنانية واعيدت الى من تبقى منهم الجنسية منذ بضع سنوات، وفي حال لم تدرج هذه القرى في المعادلة باعتبارها قرى محتلة فان ذلك يعني ان لبنان خالف دستوره الذي نص في الفقرة "ط" من مقدمته على ما يأتي: "أرض لبنان أرض واحدة لكل اللبنانيين، فلكل لبناني الحق في الإقامة على أي جزء منها والتمتع به في ظل سيادة القانون، فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان، ولاتجزئة ولا تقسيم ولا توطين".

ان اللاتوطين هذه التي نص عليها الدستور يقصد منها توطين الفلسطينيين في لبنان، وفي حال تخلى لبنان عن القرى السبع التي نتحدث عنها فانه بذلك يعني قبوله التوطين، لانه اعتبر ابناء تلك القرى غير لبنانيين، أي فلسطينيين، وبما انه قبل بذلك فهو يعني قبوله بالتوطين ككل وبمخالفة الدستور اللبناني. وانطلاقا من هذه النقطة عندما يستذكر مجلس الأمن القرار 425 فهو ملزم بمطالبة "إسرائيل" بالانسحاب من هذه القرى استكمالا لتنفيذ القرار المذكور أعلاه، الذي نص صراحة على الانسحاب الاسرائيلي من الاراضي اللبنانية كافة. وطالما ان "اسرائيل" رضيت برسم مؤقت لخط الهدنة بينها وبين لبنان، فهي بذلك أقرت ضمنا بعدم تنفيذها للقرار 425 على رغم إعلانها تنفيذه كاملا.

أما فيما يتعلق بالقرارين 426 و520 ان استذكار مجلس الأمن لهذين القرارين فان ذلك يعد اعترافا ضمنيا بأن القوات التي لم يأت على ذكرها اتفاق الطائف هي المعنية بالانسحاب من لبنان، أو تلك التي اعتبرت قوات محتلة ونص عليها الاتفاق صراحة لان القوات السورية العاملة في لبنان خاضعة لاتفاق الطائف وخاضعة أيضا لما تقرره اللجنة العربية الثلاثية التي أنيط بها الاشراف على تطبيق الاتفاق المذكور.

"يغيب عن بال الكثيرين أن طالما الاتفاق لم ينفذ كاملا فان اللجنة المذكورة تبقى قائمة وحلها يحتاج الى قرار من مؤسسة القمة العربية لانها انشئت بقرار من هذه المؤسسة". فهذه اللجنة في بيانها الصادر في مدينة جدة السعودية في 24 اكتوبر/ تشرين الأول 1989 اكدت "أن اللجنة الثلاثية العربية العليا لن تتوانى عن بذل كل ما في وسعها لتهيئة الاجواء والمساعدة على تحقيق الخطوات"، التي اتفق عليها النواب اللبنانيون في الطائف وبالتالي يكون من المفروض قانونا ومنطقيا ان تعمل مؤسسة القمة العربية على ضمان ذلك وليس مجلس الأمن الدولي لان تنفيذ اتفاق الطائف ارتهن باشراف هذه اللجنة ورضيت بذلك الشرعية الدولية من خلال قبولها بالتعاطي مع المؤسسات التي انبثقت عن هذا الاتفاق، ولهذا عندما تحصر الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا ومجلس الأمن أمر القرار 1559 بالقوات السورية الموجودة في لبنان فقط من دون الحديث عن الاحتلال الاسرائيلي لبعض الاراضي اللبنانية تكون بذلك تحيد عن الصواب في هذا الشأن لان القوات السورية مرهونة بالاتفاق بين الحكومتين اللبنانية والسورية. وطبقا لبيان اللجنة العربية مرهون ايضا بالاشراف العربي على تنفيذه ولان القرار الدولي لم يلحظ هذا الامر وتجاهل مؤسسة القمة العربية في ذلك فهو انما نزع الشرعية عن قرارات القمم العربية كافة التي اتخذت بشأن لبنان منذ العام 1976 ولغاية اليوم، وساوى عبر القرار 1559 بين الاحتلال وبين المساعدة على بناء القوات اللبنانية المسلحة القادرة على حفظ الأمن، لا بل ان القرار 1559 نزع الشرعية ضمنيا عن القوات الدولية العاملة في لبنان والمولجة الحفاظ على لبنان من الاعتداءات الاسرائيلية لان القرار طالب بخروج جميع القوات الاجنبية من لبنان، فهل هو بذلك افسح في المجال الى مساواة بين الاحتلال الاسرائيلي وبين القوات السورية العاملة في لبنان، وهل بذلك دعا الى خروج القوات الدولية المولجة حفظ الأمن على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة؟

ان الاجابة على هذا السؤال تحتاج الى إعادة نظر بالاهداف الحقيقية التي بني عليها موقف كل من فرنسا والولايات المتحدة حيال القرار ،1559 فإذا كانت القضية العراقية هي السبب الرئيسي لتصويب القرار نحو سورية من الجانب الاميركي فان الدعوة التي أطلقها ارييل شارون في زيارته الشهيرة الى فرنسا العام الماضي لليهود الفرنسيين بالهجرة الى "اسرائيل" هي السبب الذي دفع بباريس الى تصويب القرار نحو سورية، أي أن ما أرادته كل من واشنطن وباريس هو ممارسة الضغط على سورية من خلال لبنان، إذ إن الولايات المتحدة تريد الضغط على سورية في العراق، وضمنا الضغط عليها في المفاوضات مع "اسرائيل"، من خلال لبنان، وفرنسا أيضا عملت على مقايضة دعوة شارون بالضغط على سورية في موضوع المفاوضات أيضا من خلال لبنان، فجميعنا نعرف مدى الهلع الذي أصاب فرنسا عندما بدأت طلائع المهاجرين اليهود تصل الى تل أبيب، وكيف ان ذلك شكل بداية تحول في السياسة الفرنسية تجاه القضايا العربية.

في ذلك ظهرت كل من باريس وواشنطن بمظهر الساعي الى تنفيذ الشرعية الدولية من دون الاخذ في الاعتبار ان القرار 1559 أضاف الى لبنان رصيدا جديدا في المطالبة بالتنفيذ الكامل للقرار 425 الذي فصل القضية اللبنانية عن قضية الشرق الاوسط وذلك عبر دعوته "اسرائيل" الى الانسحاب من الاراضي اللبنانية كافة من دون قيد أو شرط، ومن دون ذكر أي من القرارات الدولية الخاصة بقضية الشرق الاوسط التي ربطت التسوية فيها كالقرار 242 أو 338 وبات بذلك لبنان في حل من هذه القرارات، وانما هو معني الآن فقط بالقرار 425 والقرار 194 لأنه القرار الوحيد الذي يتحدث عن مسألة معني بها لبنان ألا وهي عودة اللاجئين الفلسطينيين الى أرضهم، ذلك لان الاعتراف الدولي بوجود ميليشيات غير لبنانية يعني انه اعتراف بوجود لاجئين، ولان القرار 425 فصل قضية لبنان عن قضية الشرق الاوسط فان حل مسألة اللاجئين في لبنان لاعلاقة له بحل قضية الشرق الاوسط.

ان القراءة اللبنانية للقرار 1559 استندت فقط الى التفسيرات الاميركية والفرنسية من دون الذهاب الى قراءة في عمق القرار الذي ارادت منه واشنطن وباريس ممارسة الضغط على سورية فقط لكنها وجدت نفسها تضغط ايضا على "اسرائيل"، ومنذ الآن وإلى أن تعاد قراءة هذا القرار من زاوية مختلفة، تكون الشروط الاميركية والفرنسية فرضت ونفذت ويكون لبنان خسر كثيرا إذا لم يسارع إلى تحويل التهديد بالقرار المذكور الى ورقة رابحة بيده، ليس من خلال تنفيذه حسب القراءة الاميركية والفرنسية وانما بالقراءة اللبنانية الخاصة واعادة تفعيل اتفاق الطائف وقرارات قمة الدار البيضاء المتعلقة بلبنان

إقرأ أيضا لـ "حسين احمد"

العدد 869 - الجمعة 21 يناير 2005م الموافق 10 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً