العدد 2396 - السبت 28 مارس 2009م الموافق 01 ربيع الثاني 1430هـ

ما ينقص مؤتمرات القمة

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

أية مؤسسة تلك، وخصوصا إذا كانت مفصلية في حياة الناس، التي ما إن يعلن عن قرب اجتماع لها حتى يفجر اجتماعها سيلا من الأسئلة أكثر بكثير مما يقدم من أجوبة.

هذا هو حال مؤسسة مؤتمرات القمة العربية. فقبل كل اجتماع لها يتساءل الناس عما لا تستطيع القيام به وعن المحددات التي تمنعها في هذا المجال أو ذاك أكثر مما يتساءلون عمّا تستطيع إنجازه. وهذه ظاهرة أصبحت تؤكد أن الشكوك حول قدرات مؤتمرات القمة العربية هي السائدة، وأن الاطمئنان إلى نجاعتها وفائدة مداولاتها قد أصبحت شبه معدوم عند جميع الناس.

ولو أدرك قادة الدول العربية الجانب الكارثي في هذه الظاهرة السياسية البالغة الخطورة، ظاهرة فقدان الثقة، لتوقفوا عن التعامل مع مؤسستهم بهذه الخفة المحيّرة التي تحمل أخطارا تحوّل هذه المؤسسة الحيوية إلى مظاهر علاقات عامة إعلامية دورية، وذلك بدلا من كون اجتماعاتها مناسبات لمواجهة قضايا الأمة الكبرى. ومن المؤكد أن معظم رؤسائنا يعرفون جيدا أهمية الثقة في كل مناحي الحياة. فإذا كان مدرّبو فرق كرة القدم يفقدون بريقهم ووظائفهم بمجرد أن يخسر فريقهم مباراة مفصلية واحدة فكيف الحال مع قادة الحياة السياسية إن فقدوا ثقة من يقودون في ألف مباراة سياسية واقتصادية مفصلية؟، وخصوصا إذا حدث ذلك أمام إعلام عولمي مفتوح الأذنين والعينين، وهو الذي لن يرحم الفاشلين حيثما يكونون.

نحن هنا نذكّر قادتنا بالمثل الذي يقول: «لا تثق قط في إنسان لا يعرف إلاّ مدح الآخرين». ولذلك فالعاقل منا لا يستطيع أن ينضم إلى صفوف المادحين لهذه المؤسسة. فأحوال الأمة قد أصبحت لا تطاق، بينما تعجز حكمة أعضاء هذه المؤسسة عن حلحلة أية مصيبة وعن الخروج من أية كارثة.


هل أننا نبدو قساة في حكمنا هذا؟

الواقع مع الأسف يجيبنا بكلمة «كلا». فها هي قضية فلسطين تشير إلى قرب وصولها إلى مرحلة الكارثة الكبرى، وها هو السودان يطارد رئيسه كما يطارد المجرمون وتتقطع أوصاله، وها هو مستقبل العراق لايزال غامضا بالنسبة لوحدته واستقلاله وعروبته ودينه، وها هو مشروع الاتحاد المغاربي يتمزق ويضحي بمصالح ثمانين مليونا من مواطنيه بسبب خلافات لا تنتهي بشأن بضعة ألوف من سكان الصحراء، وها هي الجامعة العربية تبقى ضعيفة ومشلولة الحركة من دون أي علاج لعللها، وها هي المليارات من أموال العرب قد ضاعت في مؤسسات الأغراب عبر العالم كله بينما يجوع ويعرى الملايين منهم، وها هو أمل العرب في الاستفادة من حقبة البترول تنساب من بين أيديهم بسبب السّفه وقلة الحيلة، وغيرها كثير.

ها هو كل ذلك يحدث، بينما لا يلمس الناس أمام هذه الأهوال إلاّ الدوران حول المسائل وتأجيلها من سنة إلى أخرى، وإلاّ تغليب المصالح القطرية، وإلا غياب الإرادة المشتركة الجامعة، وإلا انعدام فضيلة الشجاعة، وإلاّ الشلل في الانتقال من القول إلى الفعل. والواقع أنه لا توجد مؤسسة في الدنيا تقبل أن تبقي نفس المواضيع على جدول أعمالها طيلة نصف قرن، بل ولا تتعب من إضافة مشكلات جديدة إلى جدول أعمالها في كل عام لتنوء تحت حمل وعجز جديدين.

إننا نعلم بأن مؤسسة القمم العربية مصابة بنواقص كثيرة، لكن أكثر ما تفتقده هذه المؤسسة هي فضيلة الشجاعة، وهي أحد الفضائل التي بدونها لا تتحقق في الواقع الكثير من الفضائل الأخرى.

والكاتب الفرنسي أندريه كونت - سبونفيل يقول: «من دون الحصافة تصاب الفضائل الكبرى بالعمى، وبدون الشجاعة تصبح الفضائل عديمة الجدوى».

من هنا فإن الادّعاء بأن مؤسسة العرب الكبرى تمارس متطلبات القيادة السياسية الفاضلة للوطن العربي سيبقى ادّعاء بلا معنى حتى يثبت أن فضيلة الشجاعة تمارس في اتخاذ كل قراراتها.

بصراحة، لقد تعب الناس من رؤية رذائل العجز والجبن وقلة الحيلة في مؤسسة لا يحترمها الكثيرون

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 2396 - السبت 28 مارس 2009م الموافق 01 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً