العدد 2396 - السبت 28 مارس 2009م الموافق 01 ربيع الثاني 1430هـ

خطاب أوباما... والعودة إلى «مربع بوش»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الخطاب الهجومي الذي ألقاه الرئيس الأميركي باراك أوباما بشأن البحث عن استراتيجية الخروج من مأزق أفغانستان شكل في مجموعه العام خطوة ارتدادية إلى «مربع بوش». فالخطاب يشتمل في لغته ومفرداته على الكثير من العناصر «البوشية» التي أعادت التذكير بسياسة الاستعداد واستباق «الأعداء» في تسجيل ضربة وإنزال العقاب أو الهزيمة بهم قبل أن يبادروا هم ويسارعوا في «شن هجمات على الولايات المتحدة».

أوباما في خطابه «الأفغاني» خرج على أسلوبه الخاص في التعامل الذكي مع قضايا الأمن. فهو خالف في حدود الممكن الكثير من التوجهات التي وعد باعتمادها في تفكيك الأزمة الأفغانية واتجه بقوة نحو ربط عشوائي بين تنظيم «القاعدة» وحركة «طالبان» وبالغ في هذا الاتجاه حين ربط أيضا الملف الأفغاني بالملف الباكستاني ما يؤشر إلى وجود خطة مشروع تقضي بتوسيع دائرة «الحرب على الإرهاب» واحتمال نقلها من الحدود إلى الداخل الباكستاني.

الخطاب الأوبامي يعتبر سياسيا نكسة «بوشية» في سياق الانزلاق نحو مواجهة يصعب من الآن تحديد تداعياتها ولكن من الممكن تخيل مواصفاتها واحتمالاتها في حال تم ترسيم خريطة ميدانية لكلام الرئيس الأميركي.

ما هي النقاط التي ركز عليها أوباما في خطابه لتأكيد ادعاء عدالة الحرب التي قرر خوضها؟ هناك مجموعة زوايا أشار إليها تشكل في النهاية خطة عمل وتتبنى آليات فرضية لتنفيذها.

أولا تحدث عن المخاطر الأمنية التي تهدد حكومة كابول (الضعيفة والفاسدة). ثانيا تحدث عن سيطرة طالبان على أجزاء من أفغانستان وباكستان. ثالثا اعتبر أن قادة «القاعدة» الكبار موجودون في أفغانستان وباكستان. رابعا أن هؤلاء يخططون لتنفيذ هجمات ضد الولايات المتحدة. خامسا اعتبر أن هذه المنطقة أصبحت «الأخطر في العالم». سادسا طالب باكستان بالمساعدة والدعم في ملاحقة خلايا الإرهاب. سابعا حذر باكستان بأنها إذا لم تقم بواجباتها في هذا الشأن «فإن الولايات المتحدة ستقوم بذلك». ثامنا أن خطر «القاعدة» و«طالبان» بدأ يتفشى كالسرطان في باكستان وأخذ يهدد أمنها وشعبها ودولتها ونظامها الديمقراطي. تاسعا أن المخاطر المتأتية عن انتشار شبكات وخلايا «الإرهاب» في باكستان/ أفغانستان تهدد «سلامة الناس في كل أنحاء العالم». عاشرا وبناء على ذاك التوصيف قررت واشنطن إضافة 4 آلاف جندي لتدريب وتأهيل قوات الأمن في أفغانستان لاحتواء الخطر إلى جانب زيادة 17 ألفا إلى القوات الأميركية العاملة هناك منذ سبع سنوات.

كل هذه النقاط العشر تشكل مجتمعة الجانب «البوشي» في خطاب أوباما. أما ما تبقى من كلام فإنه ركز على وعود تنموية خلط فيها «السم» بـ«العسل» لتحسين معيشة الشعب الأفغاني وتشغيل البنية التحتية وإصلاحها وتنشيطها لشد القبائل وجذبها لمصلحة حكومة كابول. كذلك وهذا هو المهم وعد حكومة إسلام آباد بمساعدات مالية سنوية (مليار ونصف المليار) لمدة خمس سنوات لدعم الاقتصاد المتهالك وتطويره إلى جانب الاستمرار في تعزيز القدرات العسكرية والأمنية لباكستان. وجاءت وعود (إغراءات) أوباما في سياق اشتراطي حين ربط الجزرة بالعصا واشترط على إسلام آباد المساعدة في ملاحقة الإرهاب وفتح جبهة ضد القبائل التي تعيش على الحدود مع أفغانستان ومقاتلتها حتى تصبح تلك المناطق غير آمنة لشبكات «طالبان» وخلايا «القاعدة».

إلى ذلك طالب أوباما دول الحلف الأطلسي بزيادة القوات كذلك اقترح تشكيل «مجموعة اتصال» تضم دول آسيا والخليج وإيران وروسيا والهند والصين من أجل المساهمة في أمن المنطقة ومعالجة ملف «أفغانستان وباكستان».

حرب ارتدادية

خطاب أوباما أعاد فتح السياسة الأميركية على «مربع بوش» في دائرة مكافحة الإرهاب. وخطورة الخطاب الارتدادي أنه يشكل خطوة باتجاه الانزلاق نحو حرب إقليمية مفتوحة في جنوب غرب آسيا بذريعة عدالة القضية. وأخطر عناصر الخطاب تلك النقاط التفجيرية التي ربطت الملف الأفغاني في سياق تدحرج الأزمة الأمنية في باكستان ما يعني أن الأبواب باتت مفتوحة على تدخلات خارجية كبرى في الشئون السيادية المتصلة بحكومة إسلام آباد. فالرئيس الأميركي لم يضع باكستان من ضمن «مجموعة الاتصال» التي دعا إلى تشكيلها لمعالجة الأزمة الأفغانية بل اعتبر باكستان جزءا من ملف واحد وهي مطالبة بدور أمني كما هو حال حكومة كابول. وعدم تمييز أوباما بين كابول وإسلام آباد يعني أن الولايات المتحدة باتت تعتبر باكستان جزءا من الأزمة وليست طرفا يتمتع بدور خاص للمساعدة على الحل.

ربط باكستان بالملف الأفغاني يعتبر نقطة بالغة الخطورة طرأت على الاستراتيجية الأميركية في تلك المنطقة الجغرافية والحساسة في تضاريسها الطبيعية والبشرية (القبلية والمذهبية والأقوامية). وهذا الربط دفع بعض أعضاء الكونغرس إلى التعبير عن مخاوف من احتمال فشل الخطة. فالسناتور الديمقراطي راسل فينفولد رأى في تكثيف الانتشار العسكري (إلى باكستان) يمكن أن يجعل «الوضع أسوأ». أما الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري فقد شكر أوباما على الفلوس (الدعم المالي الإضافي) ورحب بفكرة «تعزيز الديمقراطية» والإصلاح والتحديث وغيرها لكنه لم يشر إلى دعوة أوباما للتورط في حرب أهلية «قبائلية» تقوض الدولة وسيادتها في مناطق الحدود. وتجاهل الرئيس الباكستاني لتلك «الهدايا المسمومة» وتجنب دعوته للانخراط في حرب داخلية له ما يبرره نظرا لتلك التعقيدات التي تعيشها مناطق الحدود القبلية. وما رفض زرداري قوله أشار إليه مستشار أمير «الجماعة الإسلامية» في باكستان عبدالغفار عزيز حين حذر من أن استمرار هذه السياسة «لن يجلب الخير للولايات المتحدة ودول المنطقة». وتوقع رئيس تحرير وكالة «نت انترناشونال» الكاتب السياسي طاهر خان أن الدعم المادي مشروط بالحرب على الإرهاب وهذا يعني «مزيدا من العنف بين الجيش والمسلحين القبليين».

«الحل العسكري» المفتوح على باكستان هو أخطر ما ذكره أوباما في خطابه «البوشي» حتى حين أرفق «العصا» بالجزرة. فالإغراءات المالية والإصلاحية لا قيمة عملية لها إذا كانت مشروطة بالحرب الأهلية القبلية المكلفة عمرانيا وبشريا. والكلام الأميركي عن «تعزيز الديمقراطية» لا منطق له في السياسة الميدانية في بلد تتحكم في آلياته الكثير من الولاءات والهويات الأقوامية والقبائلية والمذهبية. وتعزير الديمقراطية في بلد من هذا النوع يعني إضعاف الدولة المركزية ونشر الفوضى الأهلية ودفع الناس نحو التفكك والانقسام والانكفاء الذاتي نحو حماية زعماء القبائل في الأقاليم التي تتألف منها باكستان.

الخلاصة العامة من خطاب أوباما هي إقرار الرئيس الأميركي الضمني بصوابية بعض آراء بوش بشأن المخاطر المفترضة على الولايات المتحدة وبالتالي هناك ضرورة لاعتماد تكتيك «ضربات استباقية» معطوفة على إغراءات مالية. وهذه الخلاصة هي خطوة ارتدادية نحو «مربع بوش» لأنها من جهة ترفع شأن ألوية الحرب (الحل العسكري) مرفقة من جهة أخرى بوعود يصعب تصديقها إذا تم ربطها باشتراطات لا تقوى إسلام آباد على تحقيق أهدافها من دون الانجرار نحو اتون حرب أهلية دائمة قد تخترق الحدود مع أفغانستان وربما تمتد إلى أقاليم مجاورة تربطها علاقات قربى مع الأقوام القبلية المنتشرة من أوزبكستان في الشمال إلى بلوشستان في الجنوب.

إنها حرب إقليمية مفتوحة على مجموعة أبواب ونوافذ. فالخطاب البوشي لا يكتفي بالساحة الأفغانية لتطويق الإرهاب بل يتجاوز الحدود ويخترقها الأمر الذي يطرح السؤال عن تلك المخاطر الأهلية - القبلية التي يمكن أن تتورط بها باكستان وينزلق إليها أوباما خطوة وراء خطوة إلى نهاية عهده

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2396 - السبت 28 مارس 2009م الموافق 01 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً