أن تعود الرفسنجانية أو لا تعود هو ما يتملك الجدل السياسي في الجمهورية الإسلامية لدرجة أنه سحب الأضواء عن إعلان الكثير من الشخصيات اليسارية واليمينية البارزة نيتها للترشح. وما يزيد من جدلية الموقف هو التصريحات الرمادية للشيخ الرفسنجاني تجاه حقيقة ترشحه من عدمها، ففي الجبهة اليمينية المحافظة انقسمت أطياف هذا التيار على الكثير من الخيارات في ظل إعلان ولايتي ولاريجاني وروحاني بل وحتى رئيس البرلمان الحالي حداد عادل نيتهم للترشح، بل تمادى ذلك الانقسام لينزلق نحو مماحكة يمينية رفسنجانية بمصباح خافت ووضع الكلمات في الأفواه عنوة، فقبل أيام أعلن الناطق باسم رابطة علماء الدين المناضلين اليمينية المحافظة "روحانيت مبارز" وعضو تكتل الأكثرية في المجلس غلام رضا مصباحي مقدم أنه عقد لقاء خاصا مع الشيخ الرفسنجاني سأله خلاله عن موضوع خوضه الانتخابات الرئاسية التاسعة، فأجابه بأنه لن يترشح، وهو موقف ربما أحرج الشيخ كثيرا، كما صرح عضو اللجنة المركزية لحزب الجمعيات الإسلامية المؤتلفة الراديكالي أسد الله بادمجيان بأن المجلس التنسيقي لم يجمع على مرشح واحد لحد الآن، وأن ترشح رفسنجاني مع عدم وجود ضرورة أمر غير حتمي، في حين قال العضو السابق بمجلس صيانة الدستور آية الله أبوالقاسم خزعلي إن رفسنجاني لن يترشح، ودعا أهالي محافظة رستان إلى إعطاء أصواتهم لعلي أكبر ولايتي في حين أبدت الكثير من الشخصيات اليمينية المحافظة الأخرى دعمها لرفسنجاني أهمها القوى العلمائية في تكتل الأكثرية بالمجلس النيابي وأعضاء الكثير من اللجان البرلمانية وهو ما أحدث حال اهتزاز في الجبهة المحافظة.
في المقابل أيضا انقسم التيار الإصلاحي على نفسه هو الآخر بإعلان حزبي الاعتدال والتنمية وكوادر البناء "وهما من أقطاب جبهة الثاني من خرداد الإصلاحية" دعمهما لترشح رفسنجاني في حين أعلن مجمع علماء الدين المناضلين "روحانيون مبارز" وهو أيضا من جبهة خرداد أنه قرر ترشيح أمينه العام ومستشار المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الشيخ مهدي كروبي، وأعلن الاتحاد الإسلامي للمهندسين الإصلاحي دعمه لهذا الترشيح.
وأمام هذه المتناقضات والمتشابكات تبدو الحال أكثر تعقيدا، فمن جهة أخفق المحافظون في تحقيق وفاق ووحدة خيار بشأن مرشح واحد، متخيرين في ذلك بين رفسنجاني ولاريجاني وروحاني وتوكلي ورضائي وحداد عادل، وكذلك الحال عند اليساريين أو الإصلاحيين بين رفسنجاني وكروبي ومصطفى معين وربما آخرين غير قادرين على ادخار ذلك الخـلاف إلى حين، وهو ما قد يسير بالحال نحو استنتاجين اثنين:
- أن يعلن الشيخ رفسنجاني ترشحه رسميا كمستقل لكي لا يخسر مؤيديه من الجناحين من دون أن يغفل مجسات الشارع الإيراني تجاههما، ومتكئا على برنامج براغماتي مقسما بتحقيب استراتيجي يفي برغبات داعمية، أبرز ملامحه الداخلية اقتصادية تنموية تدخل في مسائل المعيشة اليومية للمواطن الإيراني، وعلى المستوى الخارجي النأي بإيران عن الخطوط التماسية للمواجهة مع الغرب في قضايا البرنامج النووي والموقف من عملية السلام في الشرق الأوسط وتوصيف العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية التي ربما ينظر إليها بأنها ليست واجبة كالصلاة ولا محرمة كشرب الخمر.
- أن يفوز مرشح مجمع علماء الدين المناضلين الشيح مهدي كروبي باعتباره اجترارا طبيعيا لسياسات الرئيس محمد خاتمي على المستوى الداخلي، وفي هكذا حال يمكن أن يبقى وضع الإصلاحيين مهلهلا في ظل سيطرة التيار المقابل للمجالس البلدية والسلطة التشريعية، إلا أنه سيبقي على مجمل السياسات الخاتمية بتصرف بسيط إذا فاز بالدفوع نفسها التي أوصلت الرئيس خاتمي إلى الحكم، وأقصد بها دعم التيارات الإصلاحية المتطرفة كحزب المشاركة، أما إذا امتنع الأخير وقاطع الانتخابات وفاز كروبي بما تبقى له من أحزاب إصلاحية معتدلة، فإن ذلك سيؤدي إلى حال من التوافق النسبي بين المحافظين والإصلاحيين وهبوط في منسوب المأزومية البينية
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 868 - الخميس 20 يناير 2005م الموافق 09 ذي الحجة 1425هـ