في مطلع التسعينات، ضرب زلزال شديد إيران أوقع عشرات الآلاف من القتلى، بعد أن هوى بسقوف المنازل الطينية على رؤوس أصحابها. ووسط مشاهد الهول والدمار التي شاهدها العالم، هبت كثير من الدول إلى تقديم معونات إنسانية. حينها أعلن عن حصيلة التبرعات التي جمعت في أراضي الولايات المتحدة الأميركية، أكبر وأغنى دولة على سطح الأرض، فلم تتجاوز المئتي ألف دولار! ولو نقب الباحثون لربما وجدوا أن أكثر المتبرعين هم من الإيرانيين أو المسلمين المتعاطفين مع تلك الجمهورية. وهكذا نجد كيف تبث النزاعات "السياسية" الكثير من الروح العنصرية في نفوس الشعوب. ولولا الشعور الغالب بالفاجعة ومشاعر الأسى والحزن التي خيمت على تلك البلاد المنكوبة، لربما نزل الكثيرون في تظاهرات ضد تسلم تلك المعونات الهزيلة وأحرقوها.
نحن لا نلوم المواطنين الأميركيين وحدهم على هذا الموقف المشبع بالروح "العنصرية"، فالشعوب تجري وراء حكامها وتهلل لسياساتهم مهما كانت معوجة وخاطئة في حق الآخرين، ولكن نلوم ونكرر اللوم مرة بعد أخرى شعوبنا "الإسلامية"، التي تتغنى في اليقظة والمنام بالقيم "الاسلامية" النبيلة، ثم يكتب بعض "متطوعيها" على رؤوس الأشهاد انهم لن يرسلوا المعونات إلى ضحايا "تسونامي" إلا إذا كانوا مسلمين. وكأن الكارثة إذا نزلت ميزت بين مسلم وكافر! ولكن تأبى العنصرية إلا أن تطل برأسها لتمارس سياسة "التمييز" بين البشر، وتتدخل في توزيع شهادات البراءة حتى على المنكوبين في الكوارث الماحقة!
وفي إحدى "فلتاتنا" الإعلامية، ما انفكت إحدى المؤسسات الدعوية تمارس دور الإنذار والوعيد في إعلاناتها المدفوعة، بنشر إعلان "تمثيلي" مرعب لموت الإنسان، يحمل فيه الميت على أكتاف المشيعين ويوضع في القبر ويهال عليه التراب، لتقول للناس بعد كل هذه "الهيصة" ان "صلاتك حياتك"، ولكي تكتمل عناصر الإثارة وزيادة "التشويق" للصلاة في هذا الإعلان كان من المفترض إحضار ثلاثة "ممثلين" إضافيين ليقوموا بدور ملك الموت عند لحظة قبض الروح، وعندما يبدأ منكر ونكير باستجواب الميت تحت أطباق الثرى، فذلك أدعى للتأثير والتخويف والإعتبار!
ترى العالم وتقارن بين ما يقوم به الآخرون من فنون "التبشير" لدياناتهم، وآخرها دين "العولمة"، بكل هذا الصخب الهادر والبرامج الترفيهية المشوقة التي لا ينقطع سيلها، وترى حال قومك وما يتفننون به من طرق "التنفير" من دينهم، فيخرجون أفلاما كالحة مدلهمة لهذا الدين العالمي، ليس بينها فيلم واحد قصير يمكن أن يقنع صبيا أو مراهقا بالتوقف للتساؤل عن ماهية هذا الدين الذي بدأ غريبا وسيعود غريبا، وغربته اليوم أشد بين أهله وبنيه! وتبلغ غربة هذا الدين الانساني النزعة ذروتها حين يلبسه بعض أتباعه وشيوخه ومعمميه اليوم طربوش "العنصرية"، حين يوزعون ضحايا "تسونامي" إلى فريقين: فريق في الجنة وفريق في السعير
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 868 - الخميس 20 يناير 2005م الموافق 09 ذي الحجة 1425هـ