يعتبر اتفاق السلام الذي وقع أخيرا في نيروبي بين طرفي النزاع في السودان خطوة فقط في الاتجاه الصحيح من حيث إنه أوقف نزيف الدم السائل والمنسي منذ أكثر من عشرين عاما. وجاءت بروتوكولات الاتفاق نموذجية؛ إذ إنها تؤسس لاسترداد الديمقراطية وتوعد بوضع دستور جديد تقوم بناء عليه دولة قومية تعترف بهذا البلد على أنه عربي إفريقي متعدد الأعراق والثقافات والديانات. علاوة على ذلك، وكثمرة للسلام سيعود أكثر من نصف مليون نازح سوداني جنوبي إلى مدنهم وقراهم من الدول المجاورة، كما أن العلاقات الخارجية للسودان ستتحسن إلى الأفضل وخصوصا مع الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة التي ناصبته العداء طوال فترة حكم الإنقاذ.
بيد أن السلام السوداني ينذر بمعركة مقبلة هي أكثر شراسة من المعركة العسكرية التي خاضتها الأطراف المتنازعة المتآلفة الآن. تتمثل هذه المعركة في تحديات البناء والاعمار ليس للبنيات التحتية فحسب، ولكن لبناء الثقة المفقودة بين أبناء الجنوب والشمال، وكيف سيستميل الشمال المهيمن على كل شيء في الماضي، الجنوب الذي استحكم فيه البغض لكل ما هو عربي، من أجل أن يصوت سكان الجنوب لخيار الوحدة وليس الانفصال بعد ست سنوات.
لقد ظهرت الآن في الخرطوم تنظيمات جنوبية تدعو علنا الى الانفصال وأنه لن يكون هناك سلام الا إذا استقل الجنوب. أعتقد أن مثل هؤلاء يتعجلون في حكمهم لأن انفصالهم ربما لا يضمن وحدة دولة جنوبية قائمة بذاتها ومستقرة كما أنه يؤجج حركات انفصالية أخرى.
ومن مهددات استمرار اتفاق نيروبي أن توقيعه تم بين طرفين شموليين. فلا الحركة الشعبية ولا الحكومة مهيآن لتنفيذ البروتوكولات التي جاءت متقدمة للغاية بحيث تفضي الى ديمقراطية حقيقية تكون أنموذجا للمنطقة.
ولذلك حتى يتفادى السودانيون الفشل في التطبيق يجب تشكيل آلية تنفيذ مستقلة تتيح مجالا أوسع لمشاركة القوى السياسية الأخرى لتفويت الفرصة على الانفصاليين الذين يرغبون في تحقيق أهدافهم قبل الموعد المحدد للاستفتاء على ذلك
إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"العدد 868 - الخميس 20 يناير 2005م الموافق 09 ذي الحجة 1425هـ